التهديد الذي يدفع مصر للتخلي عن حليفتها القديمة
الكاتب: حاييم غولوبونتسييس
المصدر: معاري
صمت مصر الصاخب في ضوء الثورة في سوريا يشهد كألف شاهد على خوف نظام السيسي من أثر دومينو ثوري يضرب مصر، لكن أساسا من القوة الصاعدة لاردوغان ومن تدخل تركيا الإقليمي والديني، باسناد من المال القطري.
في ضوء الاحداث الدراماتيكية في سوريا حافظت مصر على موقف فاتر جدا واكتفت بتصريحات فارغة بشأن التزامها بالوحدة الإقليمية لسوريا. كان هذا ردا نباتيا ممن كانت شريكة سوريا في خطوات هامة جدا في العقود الأخيرة. فقد تشاركت مصر وسوريا على مدى السنين برعاية السوفيات. جمعت بينهما وحدة مشتركة قصيرة لم تنجح، أدارتا معارك هائلة ضد العدو الإسرائيلي المشترك، تنازعتا بسبب توجه مصر الى مسار السلام مع إسرائيل، وبعد سنوات طويلة من القطيعة، بما في ذلك بسبب نظام الأسد القمعي تجاه شعبه، استعادتا علاقاتهما من جديد. فكيف بالتالي ترك المصريون سوريا لمصيرها.
حل اللغز يوجد في فهم علاقات مصر مع تركيا. فقد ساهمت مصر كثيرا في صياغة الفكر الإسلامي. وفي العهد العثماني أيضا، حين كانت مصر تابعة إداريا للباب العالي في إسطنبول رأى المصريون في تركيا جهة ادنى منهم ثقافيا ودينيا. تركيا الحديثة، التي قامت على خرائب الإمبراطورية العثمانية، بدأت مسيرة علمانية قسرية وتأكيد القومية التركية في ظل تصميم إسلام خاضع جدا للدولة.
لقد خلق صعود حزب العدالة والتنمية وزعيمه اردوغان وتطلعهما للنفوذ في العالم العربي مجالات للتعاون بين الدولتين، بخاصة تحت الرئاسة القصيرة لرجل الاخوان المسلمين محمد مرسي. لكن السقوط السريع لمرسي وصعود السيسي الى الحكم في 2013 خلقا توترا اعلى بين الدولتين وصل حد قطيعة العلاقات على مدى عقد. وتصارعت مصر وتركيا سواء على الصدارة في العالم الإسلامي ام على المستويات العسكرية والاقتصادية في الشرق الأوسط، في حوض البحر المتوسط بل وفي افريقيا.
لتركيا ومصر جملة مصالح متضاربة كفيلة بان تؤدي الى أزمات متجددة. لمصر، إسرائيل، اليونان وقبرص توجد آبار غاز كبيرة قرب شواطئها وهي تتمتع بالملكية عليها بحكم ميثاق قانون البحار EEZ، الحقيقة التي لا تقبلها تركيا. خلافات الرأي قائمة أيضا في المسألة الليبية: مصر تدعم الجنرال خليفة حفتر في شرق ليبيا، بينما تركيا تدعم حكومة الوحدة الوطنية للدبيبة في غربي الدولة. كما توسطت تركيا مؤخرا في تحقيق اتفاق تهدئة بين اثيوبيا والصومال بشكل يمكن أن يؤثر سلبا على مصر، في النزاع بينها وبين اثيوبيا حول سد النهضة الذي استكمل رغم أنف مصر.
ان نجاح تركيا في اسقاط نظام الأسد، ومحاولاتها السيطرة على سوريا عسكريا واقتصاديا في ظل التعاون مع قطر الغنية الى جانب الخوف من رفع رأس متجدد “للاخوان” في مصر في ضوء الازمة الاقتصادية العميقة في الدولة لا يسمح لمصر للانتباه في سوريا التي يحتلها اردوغان. لإسرائيل، التي استخلصت دوما المنفعة من معارك الاستقطاب في المنطقة، هذا ليس بشرى طيبة.