عدد النساء العربيات في الدعارة في ازدياد، الحلول غير ملاءَمة والخطر على حيواتهن في تصاعد
في التاسعة مساء تتلقى نتالي فرح، المسؤولة عن المجتمع العربي في جمعية "لا نقف جانبًا"، محادثة مذعورة من عاملة اجتماعية تقول إنها التقت سيدة عربية في بيت للدعارة، لا مكانة قانونية لها ولا تحمل تصريح إقامة، لا تتحدث اللغة العبرية وهي في حالة صعبة. تتحدث فرح، البالغة من العمر 34 عامًا، مع المرأة التي تعمل في الدعارة باللغة العربية، تهدّئ من روعها وتعطيها رقم هاتف خط المساعدة. وهكذا تربط بين المرأة التي تعمل في الدعارة وبين جمعية "لا نقف جانيًا" التي تقدم بها الدعم الأولي. "إنهن موجودات هناك منذ سنوات دون أي علاج من السلطات، بسبب انعدام الثقة بالنظام"، توضح فرح.
بدأت جمعية "لا نقف جانبًا" عملها في العام 2017، كمجموعة على شبكة فيسبوك قدّمت مساعدات في حالات طارئة لنساء في الدعارة. مؤسسة الجمعية، د. نعمه غولدبرغ، سجّلتها كجمعية رسمية في العام 2018. وتقدم الجمعية مساعدات لنساء في الدعارة تتمثل بتوفير الغذاء، المفروشات والتجهيزات المنزلية، إضافة إلى دفع الفواتير المختلفة، تمويل أقساط التعليم، المرافقة إلى المكاتب الحكومية وإلى الأطباء وغيرها. "قدمنا، حتى الآن، مساعدات لحوالي 3,000 امرأة ورجل في الدعارة"، تقول فرح، "نحو 700 من هؤلاء هن نساء عربيات من إسرائيل (نحو 100 فلسطينية بدون مكانة قانونية). نحو 30 بالمائة من المتوجهين إلى الجمعية هم رجال رب في الدعارة. في كل أسبوع، نتلقى توجهين جديدين على الأقل من نساء عربيات في الدعارة في مختلف أنحاء البلاد. هذه معطيات قاسية، لكنّ ما خفي أعظم".
فرح، المولودة في يافا، هي عربية فلسطينية مسيحية مواطِنة إسرائيلية، متزوجة وأم لثلاث بنات. قبل نحو ثلاث سنوات انخرطت في نشاط في الجمعية وكانت المتطوعة العربية الأولى. وهي تتطوع من سن مبكّرة. "في كل سنة كنت أختار التطوع في مكان آخر"، تقول، "هذا ما تربيت عليه في البيت. تطوّعتُ لتعليم أبناء اللاجئين في المحطة المركزية اللغة العبرية، انضممتُ إلى "الخدمة القومية" في جمعية إعادة تأهيل الأسير وأتطوع في المجتمع المسيحي في يافا، الذي أنتمي إليه". بعد ازدياد التوجهات من جانب النساء العربيات في الدعارة، أصبحت فرح مركِّزة خط المساعدة وهي تعمل اليوم في الجمعية بأجرٍ وتقوم بتطوير مجال المجتمع العربي فيها.
تتوجه إلى جمعية "لا نقف جانبًا" نساء عربيات في الدعارة من سن 16 عامًا حتى سن 45 عامًا وأكثر. "في المجتمع العربي، تصل النساء إلى الدعارة من خلال صراع البقاء. في معظم الحالات، يدور الحديث عن فتيات ونساء عرضن لاعتداءات جنسية في داخل العائلة وفي المجتمع، تقول فرح. "يهربن من البيوت بسبب اعتداءات جنسية أو زواج الإكراه، ثم يتدهورن إلى الشارع. وعندما يحاولن التحدث عن أوضاعهن، لا يتلقّين الدعم، وفي حال توجّهن إلى عاملة اجتماعية تتحدث اللغة العربية في المدينة التي يعِشْنَ فيها، وتعرف عائلاتهنّ، فثمة احتمال كبير لأن تخشى، هي نفسها، تقديم شكوى. هؤلاء النساء يعِشنَ تحت التهديد بشكل دائم ويضطررن إلى الهرب لإنقاذ أنفسهن من دون امتلاك اللغة، التعليم أو أي جهة معالِجة، يبقين في حالة صراع من أجل البقاء تدفعهن، بالتالي، إلى الدعارة".
تقول فرح إن "نساء الدعارة في المجتمع العربي تعِشنَ في ظل خطر كبير للتعرض للقتل. إحدى السمات المميزة للعاملات في الدعارة في المجتمع العربي هو الخطر الجدي المحدق بحيواتهن. فهنّ في حالة هرب يومي من عائلاتهن. وهذا الخوف على الحياة هو ما يستغلّه القوّادون كوسيلة للابتزاز، ثم يصبح أداة للسيطرة عليهن والتحكّم بهنّ. إنهن في حالة خطر دائم على الحياة. بمجرد نشر صورة أو شريط فيديو، تُصبح الواحدة مُنهنَّ مُلاحَقَة. وهن يهرب من مدينة إلى أخرى".
"في المجتمع العربي، النساء تصِلْنَ إلى الدعارة من خلال صراعهنّ على البقاء"، تقول نتالي فرح، "هذه مجموعة بدون ظهر داعم"
تحدثنا فرح عن "ياسمين" (اسم مستعار) التي كانت تعاني، منذ سن التاسعة، من اعتداءات جنسية عليها من جانب أحد الأقارب في العائلة. وبعد وفاة والدتها، عانت العائلة من فقر شديد. وحين بلغت سن الـ 12 عامًا، بدأ والدها، الذي كان مدمنًا على المخدرات، يدفعها نحو الدعارة، بالتعاون مع عمّتها. "نحن نواجه هذه الظاهرة في المجتمع العربي أكثر فأكثر"، تقول، "أبناء العائلة الذين يسمسرون بقريباتهم للدعارة. هذه السمسرة في المجتمع العربي تبدأ من البيت".
هربت ياسمين من بيتها وهي في سن 16 عامًا، ثم سرعان ما وصلت إلى العمل في بيت للدعارة. "لم تكن تريد أن تكون في الدعارة، لكن هذا هو الشيء الوحيد الذي كانت تعرفه. لم يكن لديها أي عنوان يمكنها التوجه إليه. عندما نجحنا، في نهاية المطاف، في الوصول إليها من طرف جمعية "لا نقف جانبًا" ودمجها في إطار علاجيّ، تبيّن أن الإطار غير ملاءَم لها". بعد مرافقتها لفترة طويلة، حوّلنا امرأة في الدعارة، كان زوجها يضربها ويسمسر عليها للدعارة، إلى إطار علاجيّ. في البداية، شعرت نقلة إيجابية كبيرة ـ 'واو، يوجد حمّام، يوجد سرير، الوضع آمنٌ هنا، أستطيع النوم، الطاقم مدهش'. لكنها سرعان ما تسرّبت من هناك. قالت لي: 'مع مَن سأتحدث هناك؟ المُرشِدات، الطاقم، المديرة والطبيب النفسي ـ جميعهم لا يتكلمون العربية'. ما هي احتمالات عدم تسرب هؤلاء النساء؟
عن العوائق في الأطر العلاجية للنساء العربيات في الدعارة، تقول فرح: "معظم الأطر العلاجية القائمة هي غير ملاءَمَة للنساء العربيات العاملات في الدعارة ـ لا من حيث اللغة، لا من حيث الثقافة، والحلول المتوفرة اليوم غير متاحة للنساء العربيات. وتمثل حالة ياسمين نموذجًا للعوائق القائمة اليوم في مجال إعادة تأهيل النساء العربيات في الدعارة. على الرغم من العدد المتزايد للنساء العربيات في الدعارة في المجتمع العربي، إلا أنه لا إتاحة للغة العربية، ولا عاملات اجتماعيات ناطقات باللغة العربية وحاصلات على التدريب والتأهيل المناسب. النساء العربيات في الدعارة يأتين بخصائص مميزة لهنّ ونحن نفهم أن الحلول القائمة اليوم هي، في غالبيتها، غير متاحة أمامهنّ وغير مُعدّة لهنّ، الأمر الذي يمسّ بالعلاج وبإعادة التأهيل ويعود بأضرار عليهما. هنالك حاجة ماسة جدًا لبلورة ووضع حلول مخصصة للمجتمع العربي.
بعد مرافقتها لفترة طويلة، حوّلنا امرأة في الدعارة، كان زوجها يضربها ويسمسر عليها للدعارة، إلى إطار علاجيّ. في البداية، شعرت نقلة إيجابية كبيرة ـ 'واو، يوجد حمّام، يوجد سرير، الوضع آمنٌ هنا، أستطيع النوم، الطاقم مدهش'. لكنها سرعان ما تسرّبت من هناك. قالت لي: 'مع مَن سأتحدث هناك؟ المُرشِدات، الطاقم، المديرة والطبيب النفسي ـ جميعهم لا يتكلمون العربية'. ما هي احتمالات عدم تسرب هؤلاء النساء؟
أدت الحرب إلى مفاقمة وضع النساء في الدعارة. "في بداية الحرب، بدأت جولة من الفصل من العمل"، تقول فرح. "على الفور، تم فصل الناجيات من الدعارة من المجتمع العربي اللواتي تمكنَّ من الاندماج في العمل العادي. كُنَّ أول المتضررات والضحايا، فوجدنَ أنفسهنّ في الدعارة مرة أخرى. إحدى الأمهات قالت لي 'أنا أستقبل الزبائن في السيارة، لأنّ الولد نائمٌ في البيت'. كما أدت الحرب، أيضًا، إلى ازدياد عدد التوجهات إلينا. الضائقة الشديدة التي تعيش فيها الناجيات من الدعارة ملموسة بشكل واضح، وكذلك ضائقة النساء اللواتي يمارسن الدعارة بشكل فعّال. وهؤلاء جميعًا يعشنَ في حالة خطر كبير ودائم. وأدّت الحرب، أيضًا، إلى تصاعد واتساع العنف من جانب الزبائن. أي أن النساء أصبحن، في أعقاب الحرب، عُرضةً لخطر مزدوج. هذه مجموعة بدون ظهر يحميهن، بدون حماية عائلية، بدون مجتمع وبدون حلول مناسبة. لقد جعلت الحرب وضعهنّ أكثر سوءًا".