حين سقط الاتحاد السوفييتي فرحت موسكو وبكى الشيوعيين العرب .. وحين سقط نظام الأسد
إن انهيار النظام السوري بعد خمسين سنة في الحكم حدث ضخم وزلزال كبير ، سوف يترك اثرا عميقا على الإقليم وعلى المعادلة الدولية وعلى القضية الفلسطينية. ولا يحتمل المشهد بكائيات النخبة المخملية المنفصلة عن الواقع، فهي مشاعر لا قيمة لها وعواطف مختلطة بينما أعداء الامة يراهنون على غياب العقل واستمرار حالة الانكار التي يعيشها النظام العربي بشكل عام.
واذا كان يحق لاحد ان يقلق على مجريات الاحداث، فان القلق من نصيب الأنظمة العربية التي فشلت في التطور الطبيعي اللازم للبقاء. ورغم المؤامرات ضد الامة وضد القومية العربية الا ان غياب الحكم الرشيد ليس مسألة فنية يمكن تجاوزها وتأجيل البحث فيها ، بل هي اهم وخطر عامل من عوامل البقاء الوجودي للامة ومقدراتها.
وقد صدق الزعيم الليبي معمر القذافي حين قال للحكام العرب في القمة العربية في قطر (لقد اغتالوا عرفات وانتم تنظرون وتسكتون.. والان سوف يشنقونكم ويقتلونكم واحدا تلو الاخر .. وحين ضحك الزعماء العرب قال لهم " اضحكوا إضحكوا سيأتي دوركم قريبا ) .
لا يكفي ابدا ان يدعو أي نظام عربي لتحرير فلسطين ويقمع شعبه ويزج بخيرة أبنائه في الزنازين ويدمّر الاقتصاد.. ان الحكم الرشيد واحترام إرادة الشعوب لازمة من لوازم البقاء السياسي في كل البلدان العربية من ليبيا الى العراق الى سوريا الى غزة الى رام الله الى الخرطوم الى عدن الى القاهرة الى بيروت .
ان انهيار دمشق فجر اليوم يشبه انهيار الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات، وعلى الجميع ان يبدأ بالاستعداد للتعامل مع الواقع الجديد رغم وجود قلق كبير عند الفلسطينيين ان يدير العالم ظهره لمعاناتهم والمذابح التي ترتكب ضد أطفالهم .
رغم خطورة اللحظة لكن أجمل ما شاهدناه هو الابتعاد عن الانتقام وعدم سفك السوريين لدماء بعضهم البعض، وكيف انسحب الامر على الجيش وعلى المعارضة بطريقة ذكية حيث جرى تسليم الحكم بشكل سلس.
ان الامتحان القادم هو المصالحة الداخلية السورية، ولو نجحت المعارضة في معالجة هذه المعضلة فإنها ستتفتح باب الازدهار والتطور والنماء امام الشام بكل قوة وانتصار، لقد سالت دماء كثيرة وقتل نحو مليوني سوري مدني او عسكري على مذبح التغيير، وان اغلاق باب الانتقام وفتح بوابة المصالحة هي نقطة الارتكاز التي تحدد انتصار الثورة او غرقها في الدم والويلات لجيل قادم .
ما حدث يعطيني ملخص بسيط لكل الدول العربية : هناك جيل جديد يرنو نحو الحرية والانعتاق من قيود الأجيال القديمة ، فإما ان تفسحوا الطريق امامه ليحقق حلمه او انه سيقوم بطردكم من قصوركم ومنازلكم بالقوة ورغما عن انوفكم .