📁 آخر الأخبار

استراتيجية المجازر الإسرائيلية في غزة أسامة خليفة

 استراتيجية المجازر الإسرائيلية في غزة


                                                        أسامة خليفة


                           باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»


 


كانت مسالة قطاع غزة وما تزال على قمة جدول أعمال كل الحكومات والقيادات الإسرائيلية، السياسية والعسكرية والأمنية، للوصول إلى حل استراتيجي للقطاع، بالخروج من إدارة الصراع بوسائل تكتيكية فقط، دون حل جذري، وحسب جهات أمنية إسرائيلية إن الخطأ الشديد الذي ترتكبه اسرائيل ويمكّن حكومة غزة من التهرب من كل معضلة حقيقية، الإذعان لما يريده العالم من اسرائيل: أولاً: محدودية الرد على من يطلقون النار، وثانياً: تزويد السكان بالمعدات الإنسانية، ويعتقدون أن هذه أخطاء سياستين سابقتين نحو غزة  يتطلب تصحيحهما، وقد خطّأ مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء احتياط "غيورا أيلاند" سياسة اسرائيل نحو غزة معتبراً عدم صحة الوضع القائم، منذ حملة الرصاص المسكوب، والمتمثل في جولات إطلاق النار التي تتجدد كل بضعة أسابيع، ما بين المنظمات الفلسطينية والجيش الإسرائيلي بالبحث عن المنظمة الفلسطينية التي أطلقت النار على الإسرائيليين من القطاع، ثم يعمل الجيش الإسرائيلي على الرد على مطلقي القذائف الصاروخية بإصابات محددة، يقول آيلاند: كلما أطلق صاروخ من غزة بادرت اسرائيل إلى الرد على الجهة التي أطلقت الصاروخ، وبين جولة قتال وإطلاق نار وأخرى، يجري فحص سياسات اسرائيل نحو ذلك، ويعتقد الخبير الأمني الإسرائيلي أن تجنب القيام بعملية عسكرية برية، غير صحيح من وجهة نظر إسرائيلية، ويعترف أن هذه الجولات التي لا تنتهي، والاستمرار فيها أدت إلى ضعف قدرة الردع لدى إسرائيل، فضلاً على أنها تضع اسرائيل أحياناً أمام خيار لا تستطيع أن تتحمل ثمنه كل مرة.


ويرى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، أنه يجب أن تقوم السياسة الاسرائيلية على إدراك أن غزة هي دولة بالفعل من جميع الجوانب، فلها حدود جغرافية واضحة، وفيها سلطة مستقرة انتخبت بطريقة ديمقراطية، ولها سياسة خارجية مستقلة، والتوجه الإسرائيلي الذي يقول إنهم لا يعترفون بسلطة حماس هو حماقة، وأن الذي يخدم مصلحة اسرائيل، والأفضل لها، القول: إن غزة دولة يحكمها «ناس أشرار» وهذا أمر أفضل من الفوضى أو من الوضع الذي ساد في غزة قبل 2007 حينما كان الحكم للسلطة الفلسطينية من جهة رسمية، بينما القوة العسكرية الرئيسية كانت لحماس، فالدولة هنا يجب أن تكون مسؤولة عن كل نشاط معاد ينطلق منها، وأن استعمال مصطلح «الذراع العسكرية لحماس» خطأ بالنسبة لإسرائيل، وأن القول هناك دولة ولها جيش هي صورة المعاملة مع غزة، ولا يجوز لإسرائيل أن تقوم بتمييز بين اللاعبين الثلاثة: « السلطة في غزة، السكان في غزة، والمنظمات الإرهابية»، وبالتالي فإن الاستراتيجية الإسرائيلية «الجديدة» ضد قطاع غزة «استراتيجية الأرض المحروقة»، لا تفرق بين المدني والعسكري، أو بين البيت والثكنة والمستشفى والمدرسة، واعتبار كل من هو على أرض غزة، هدفاً يجب التعامل معه، وحالة معادية من المشروع استهدافها.


وغزة باعتبارها دولة، تعتبرها اسرائيل دولة معادية، ليس من المقبول الاستمرار في تزويدها بالكهرباء والوقود والمنتجات الأخرى، في وقت تُطلق النار من غزة على الإسرائيليين، وفي هذا السياق يرفض أيلاند الحديث عن «سكان أبرياء» في غزة، كما يرفض الحديث عن حاجتهم لـ«معدات إنسانية»، واستعمال آلة القتل الحربية ليست فقط السلاح الوحيد المستخدم لردعهم بل أيضاً سلاح الحصار الشامل.


والسياسة الجديدة التي يقترحها مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، في شأن غزة، تقوم على خمسة مبادئ وهي:


1-  تعترف اسرائيل فعلياً بأن غزة دولة كاملة.


2-  غزة غير خاضعة للاحتلال، والحدود بين غزة ومصر «محور فيلادلفيا» مفتوحة تماماً.


3-  تتحمل دولة غزة المسؤولية في أي نشاط معاد يخرج منها موجهاً إلى اسرائيل.


4-  ستزيد اسرائيل ما بقي الهدوء محافظاً عليه، مقدار الحركة في المعابر وتوافق بصورة معتدلة على تنقل الناس بين غزة والضفة، وسيفضي كل إطلاق نار على اسرائيل حتى ذاك المحصور في «غلاف غزة» إلى وقف فوري للتزويد بالمعدات والكهرباء وما أشبه.


5-   في كل حالة إطلاق نار من غزة سترد اسرائيل على دولة غزة وسيشمل ذلك تدمير أهداف للسلطة.


وفي هذا السياق يبدو أن دعوة آيلاند إلى الترويج لاستراتيجية اسرائيل هذه على المستوى الدولي لكسب الرأي العام العالمي لصالح اسرائيل، قد لاقت القبول لدى بايدن ووزير خارجيته، اللذان ساهما في الترويج لمعركة اسرائيل ضد غزة لتبدو معركة المجتمع المتحضر ضد «بؤرة الإرهاب» التي ترعاها حماس و«المنظمات الإرهابية الفلسطينية» الأخرى، بل يبدو أن بايدن اتفق مع غلاة المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية من نتنياهو إلى بن غفير وسموترتش بنزع صفة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني واعتبارهم حيوانات يستحقون القتل.


وبعد عقد من الزمان على طرح هذه الأفكار العدوانية تحت مسمى «الحل الاستراتيجي» في 27/6/2012، وتقديمها للجهات المختصة المعنية بتنفيذها، لم تعد وجهة نظر شريرة فقط، فقد تبناها عدد من جنرالات العدو وقياداته السياسية كاستراتيجية، وجرت مشاورات سياسية بشأنها، ووضعت موضع التطبيق العملي من قبل الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي بعد عملية طوفان الأقصى وإعلان الحرب على غزة، إلا أن هذه الاستراتيجية العدوانية الإسرائيلية قد حولها الجنرالات إلى خطط عمل من قبل جيش العدو، وتزودوا من أجل ذلك بالقدرات العسكرية من مخازن الأسلحة الأمريكية التي فتحت على مصراعيها لتزويد الترسانة العسكرية الإسرائيلية تمهيداً للعدوان على غزة، فحصل الجيش الإسرائيلي على ما يلزم مخططه الشيطاني من أحدث التقنيات التي تحول مدن القطاع وقراه ومخيماته إلى أرض محروقة، تدمر فيها المشافي والمدارس ومستودعات الأونروا ولا تزر البشر ولا الحجر، تحت شعار أما التهجير إلى مصر أو الموت والإبادة على أرض غزة، وترتبط استراتيجية "غيورا أيلاند" بعنوان البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين".بمشروع إقامة دولة فلسطينية في سيناء، حيث يجبر جيش العدو سكان قطاع غزة ولاسيما من سكان شماله من خلال القصف الممنهج والمركز هناك على التوجه جنوباً إلى مصر.


طرحت هذه السياسة الإسرائيلية البديلة في عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي، ولكونه ينتمي لتيار الإخوان المسلمين يرى الإسرائيليون أن هذه الميزة ستمكنه من التأثير في سلطة غزة بصورة أكبر من تأثير نظام الرئيس حسني مبارك السابق، وأداة الضغط على مصر كبيرة جداً، عبر المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر المشروطة بالعمل الحثيث من رئيس مصر لكف «العدوان» على «اسرائيل» من غزة وتحسين الأمن في سيناء.


وكان من المنتظر في الوقت الحالي من القاهرة الخروج من نطاق صمتها للتعاون مع غزة في إفشال المخطط الإسرائيلي الذي يبدو أنه أخذ الضوء الأخضر من الحكومة الأمريكية للاستمرار في عملية الإبادة أو التهجير، إلا أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال المؤتمر الصحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتز، فاجأ الجميع بدعوته اسرائيل لتهجير فلسطيني قطاع غزة إلى صحراء النقب، ولو وصفه بالمؤقت إلى حين القضاء على «الإرهاب»، وكنا نعتقد أنه رافض بالمطلق لتهجير الفلسطينيين، فنحن اللاجئون قد عرفنا التهجير المؤقت عندما خرجنا من بيوتنا عام 1948 على أمل أن نعود بعد أيام وقد مضت 75 عاماً ننتظر تلك اللحظة، من يضمن للغزاويين العودة إلى ديارهم إذا صاروا لاجئين في النقب.


 


المرجع: استراتيجية دفاعية للقطاع، الكتاب رقم 26 من سلسلة الطريق إلى الاستقلال التي يصدرها المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف».