📁 آخر الأخبار

المعركة البرية في غزة واحتمالاتها / أسامة خليفة

المعركة البرية في غزة واحتمالاتها

                                                    أسامة خليفة

                         باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

ننتظرها ويخشونها، في استطلاع إسرائيلي بيّن أن 21% من المستطلعة آرائهم أبدوا معارضتهم لعملية برية واسعة النطاق في غزة، وهذا الاستطلاع في عينة غير ممثلة لا يعني أن 79% الباقين راغبين به أو مؤيدين له، وبالأخص الجنود على خط النار.

منتصف نهار الجمعة 13/10/2023، التوقيت النهائي الذي حدده الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين لإخلاء شمال قطاع غزة من سكانه بتوجيه إنذارات بالقصف في وقت مبكر يومي الأحد 8 تشرين الأول/ أكتوبر، وتكررت الإنذارات يوم الإثنين 9 تشرين أول /أكتوبر، حيث كانت التوقعات أن تبدأ إسرائيل العملية البرية بعد أن تبرأ قياداتها السياسية والعسكرية والأمنية من صدمة 7  تشرين أول/ أكتوبر وتستعيد توازنها بعد ضربات المقاومة الفلسطينية الموجعة لهم، لكن هذه القيادات انتقلت من حالة الذهول إلى حالة الارتباك والتخبط، قادها إلى جنون القصف العشوائي دون أن تدرك تماماً ماذا تفعل بعد مرحلة القصف للمنازل وبيوت المدنيين غير مجرد أقوال واحتمالات لتحقيق أهداف هي نفسها غير واثقة من نجاحها. 

بعد أسبوع من القصف المدمر الذي أعقب عملية طوفان الأقصى، باستخدام الطيران الحربي الاسرائيلي والقنابل الثقيلة، والاعتقاد أنها مهّدت الأرض في مناطق شمال غزة مما يشير إلى احتمال البدء في الهجوم البري في تلك المنطقة بالتحديد وفي التاريخ الذي تم التلميح له اسرائيلياً، توقع الجميع أن يبدأ الجيش الإسرائيلي شن الحرب البرية على غزة إما الجمعة أو السبت، لكن المؤشرات دلت على أن العدو متردد في الإقدام على توريط جنوده في مواجهات قتالية مباشرة مع المقاومين.

عدة أسئلة تُطرح في هذا السياق: السؤال الأول: هل هذا إحجام عن الدخول في الحرب البرية خوفاً من ثمن باهظ تدفعه إسرائيل من خسائر بين جنوده من قتلى وأسرى لا يحتملها الكيان؟. أم تأخيرها وتأجيلها، ولهذا أسبابه؟.

السؤال الآخر: هل المعركة البرية تقتصر على توغل في مناطق محددة؟. أم هي اجتياح كامل؟.

والسؤال الثالث الصعب: ماذا بعد الاجتياح؟. السؤال الذي لا تعرف له القيادة الإسرائيلية جواباً بعد، فالتطهير العرقي والترحيل والتهجير إلى سيناء مصر أقرب إلى المستحيل.

الإحجام عن الحرب البرية قد يكون من الخوف من مفاجآت لم تكن في الحساب والتي لابد أن المقاومة الفلسطينية أعدتها للمعركة البرية، وقد تكون كميناً كبيراً تقع في مصيدته القوات البرية ولا تستطيع القوى الجوية -مصدر التفاخر والنجاح بالنسبة للعدو-التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقد أثبتت أحداث 7 أكتوبر قدرة ومهارة ودقة إصابة الأهداف التي يتمتع بها المقاتل الفلسطيني وشجاعته وإقدامه وثباته في الميدان، صفات ومعنويات مرتفعة يتمتع بها المقاتل الفلسطيني ويفتقد  الجندي الإسرائيلي الكثير منها إلا من المعدات العسكرية الثقيلة وآلة الدمار المتطورة، يعترف الجيش الإسرائيلي وكذلك المستوى السياسي، بأن جيش الحرب الإسرائيلي لم يخض مع الفلسطينيين حرباً كهذه، وأن الاندفاع إلى التدخل البري دون استعداد، لمجرد إشباع التعطش للانتقام العاجل والسريع، ولتحسين صورة القيادتين العسكرية والسياسية الفاشلتين، يمكن أن يكون خطأ كبيراً، ينبئ بذلك أنها معركة برية مختلفة عن سابقاتها حرب 8 تموز/ يوليو 2014، والتي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي عملية الجرف الصامد، وأسمتها كتائب عز الدين القسام بمعركة العصف المأكول، وحركة الجهاد الإسلامي أسمتها عملية البنيان المرصوص، أوقعت المعركة البرية خسائر مهمة بين الإسرائيليين، قتل 70 إسرائيلياً، منهم 64 جندياً و6 مدنيين. وكان من الجنود القتلى من يحمل جنسيتين مختلفتين، اثنان من الجنود إسرائيليين-أمريكيين، اثنان من الجنود إسرائيليين-بلجيكيين،  جندي إسرائيلي-فرنسي واحد، اثنان جنود غير معروفين، ويتباكون الآن على «رهائن» أمريكيين وأوروبيين أسرتهم المقاومة، وستكشف المعركة البرية القادمة كم من مزدوجي الجنسية سيقعون قتلى أو أسرى بيد المقاومة، هؤلاء إسرائيليون عندما يغتالون فلسطينيين في بلدان عربية وغير عربية، ويصبحون ذوي جنسية أمريكية أو أوروبية إذا وقعوا في الأسر أو إذا انكشف أمرهم، لذا على المقاومة الفلسطينية ألا تتهاون في أمر أسرى ذوي جنسيتين إذا ثبت أنهم جنود في جيش العدو أو من عناصر تشكيلاته الأمنية.

 في حرب 2014 الجرف الصامد بدأت إسرائيل عمليتها العسكرية بالقصف الجوي 8 تموز/ يوليو، ثم قامت بالعملية البرية يوم الخميس 17 يوليو العام 2014، بهدف تدمير نظام الأنفاق في غزة، ووقف إطلاق صواريخ المقاومة، وفشلت العملية وانسحبت القوات البرية الإسرائيلية في 5 آب/أغسطس. وفي 26 آب / أغسطس، أُعلن وقف إطلاق نار مفتوح، وبحلول ذلك التاريخ، أفاد جيش الدفاع الإسرائيلي أن حماس وحركة الجهاد الإسلامي وجماعات مسلحة أخرى أطلقت 4564 صاروخًا وقذائف هاون من قطاع غزة إلى إسرائيل، وتم اعتراض نحو من 735 مقذوفاً أثناء القتال وإسقاطه بواسطة القبة الحديدية، بما يعني هزيمة واضحة للجيش الإسرائيلي بإفشال أهدافه المعلنة من الحرب.

معركة الجرف الصامد كانت درساً قاسياً على جيش الاحتلال في تجربة مريرة لجنوده الذين دخلوا في المعركة البرية مع فصائل المقاومة الفلسطينية، فأغلب ضباطهم المرعوبين يرون، أنه بدلاً من استعادة الردع الذي فقده جيشهم في 7 أكتوبر، بعد عملية طوفان الأقصى، ستؤدي الحرب البرية إذا خاضوها إلى مزيد من الإخفاق، هذا أولاً، وثانياً: الخوف من تطور الصراع إلى حرب إقليمية، على الأقل هناك قلق إسرائيلي متزايد من قدرات حزب الله الذي أبقى هجماته على الوجود الإسرائيلي في شمال فلسطين المحتلة في مستوى التراشق الحدودي بالنيران والقذائف الصاروخية، والتي أسفرت عن مقتل عدد من الجنود الإسرائيليين بينهم ضابط، ويخشى الجيش الإسرائيلي أن تكون هناك خدعة حرب متقنة على غرار ما حققته حماس في الجنوب، وأن حزب الله ينتظر اللحظة التي تكون فيها معظم القوات البرية التابعة للجيش الإسرائيلي جاهزة للزحف البري على غزة ليفتح جبهة شاملة مع الجيش الإسرائيلي في الشمال.

ويرى بعض المحللين الإسرائيليين أن هذا التخوف في الشمال لن يمنع الجيش الإسرائيلي من الحملة البرية على غزة، لكنه ربما يكون قد تسبب في تأخيرها، لحين تعزيز قواتها في الشمال، وللتحقق الاستخباراتي لاستعدادات حزب الله للحرب ونواياه، فما زالت صورة الغزو البري في حرب لبنان الثانية عام 2006، ماثلة أمام عيون الإسرائيليين تدب الرعب في قلوبهم، بما تعرضت له قوات نخبتها من خسائر وتحول دباباتهم إلى نعوش مجنزرة، على الرغم من التفوق في القوة الجوية التي لم تحسم المعركة على الأرض.

وفي هذا السياق تريد إسرائيل أن تتبيّن ما هي المساعدة الممكن أن تقدمها الولايات المتحدة في حال اندلاع حرب شاملة في الجبهة الشمالية، وبحسب ما تناقلته صحف اسرائيلية، أن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، قد عرض، مقابل تراجع إسرائيل عن تنفيذ ضربة استباقية على الحزب، أن تزود الولايات المتحدة إسرائيل بطيارين أمريكيين ودعم جوي، ولكن فقط إذا بادر حزب الله بالهجوم على إسرائيل أولاً، ولكن الرئيس الأمريكي بايدن قال إنه لم يوعد إسرائيل بالتدخل العسكري المباشر في حال وسع حزب الله الحرب وصعدها إلى حرب مفتوحة.

وفي ظل أجواء الحرب السائدة في المنطقة، من الجاهزية القتالية واستنفار القوات وصنوف الأسلحة، والاستعدادات والتحضيرات للقتال، تفتقد إسرائيل اللعب على عنصر المفاجأة، ولو كان الأمر تحقيق «مفاجأة» تكتيكية تمكنها من تحقيق التفوق في الميدان يقلل في الحد الأدنى من خسائرها.

وجرى الحديث عن أسباب لتأخير العملية العسكرية البرية لوجود خلايا فلسطينية نائمة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، يجري التفتيش عنها والقضاء عليها قبل بدء الهجوم البري، حتى لا تتمكن من العمل خلف خطوط العدو بعمليات فدائية تعرقل طرق الإمداد وتوقع خسائر فادحة وتربك حركة آليات وجنود العدو، يضاف إلى ذلك المخاوف المتعلقة بمصير «الرهائن» الإسرائيليين في غزة.

يذكر إعلامهم كذباً أسباباً أخرى للتأخير، تشمل الضغط الأمريكي لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين، وإعطاء المزيد من الوقت للفلسطينيين لإخلاء مناطق واسعة في شمال وشمال شرق القطاع حيث المتوقع أن تكون الهجمة البرية حسب المعطيات على الأرض، ويقولون إنه على الرغم من الدعم العالمي الكبير الذي حصلت عليه إسرائيل أوروبياً وأمريكياً من الوسط الرسمي وليس الشعبي، فإن اللحظة التي تتضخم فيها أرقام الضحايا في غزة، والتي من المرجح أن تحدث عندما يبدأ الغزو البري، فستكون هناك ضغوطاً قوية من الولايات المتحدة والعالم لوقفه دون أن تحقق إسرائيل كل أهدافها، لاسيما تمكن الجيش الإسرائيلي من الإطاحة بحركة حماس.