إلى صديقي ساهر كعبي
حين يُكتبُ القرآنُ في هذا الزمان...
Saher Kabi
كنا نظنُّ، وبعض الظن إثم، أن النسخ التي نراها من القرآن الكريم، هي النسخ التي ستستمر إلى الأبد، وتعاد طباعتها في مطابع مختلفة ولكنها ستستند دائماً إلى تلك النسخ القديمة حتى لا يحدث فيها أي تحوير.
منذ سنوات ست، كلمني ساهر عن "قرآن" سيقوم بكتابته، وسيحمل اسم "مصحف المسجد الأقصى"، ولما كان خطُّ ساهر ساحراً ومُربِكاً لمن يعشق الخطوط وفنون الجمال عموماً، فقد تخيلتُ أن الأمر مجرد فكرة في رأس خطاطٍ مجنون، وستنتهي المغامرة مجرد أن يبدأ فيها، لأنه "القرآن"، وكتابة جملة واحدة في القرآن معضلة لأي خطاط، فكيف يمكن كتابة القرآن كله؟...
كان ساهر مهموماً بالمشروع، فلم يخلُ لقاء بيننا خلال السنوات الست الماضية دون أن يتحدث عن تفاصيل التفاصيل، في الخط، في الزخرفة، في مراجعات الأزهر، في التغييرات التي يُحدثها في طول الجملة حتى تنتهي كل صفحة بنهاية آية، دون أن يضطر القارئ لإكمال الآية في الصفحة التالية، عن "راحة الكلمات" حين تجلس على الصفحة، عن راحة العين وهي تتابع الكلمات على الورق، عن المساحات الفارغة في الورقة، عن الغلاف وزخرفه وتصميمه، عن لون الورق، ووزنه، عن سن البوصة، عن نوع الحبر، عن النقطة والشدة والكسرة والفتحة، عن الألف الصغيرة في كلمة الرحمن، عن دائرة أرقام الآيات... كان يتحدث عنه كأنه مشروع عمره، وقد كان.
حين صدرت النسخ أخيراً، بدا ساهر وكأنه منطاد أُفرغ من الهواء، لقد وضع جزءا كبيرا من روحه في هذا المشروع، بل ربما وضع روحه كلها، ووقف بطوله الزائد عن الحد، مزهوا، ويحق له، ويحق لنا نحن "كأصدقاء" أن نزهو بعمله، ونقول: هذا من عمل صديقنا ساهر، فكيف يمكن أن يشعر هو إذا كان هذا هو شعورنا نحن؟
للمرة الأولى سيكون لفلسطين مصحفها الخاص، وسيقرأ الناسُ في العالم قرآناً مكتوباً بيد فلسطينية، ومطبوعاً عبر دار نشر فلسطينية، وهذا إنجاز لا يمكن تجاهله على المستوى التاريخي لطباعة القرآن.
صديقي ساهر: كان مشروعاً مذهلا، ولطالما سألتُك: ماذا ستضيف إلى النسخ الكثيرة للقرآن، تلك الموجودة في العالم الإسلامي، فكنت تنظر إلى وتصمت، الآن فقط، وبعد أن رأيت كل هذا الجمال يقفز بين الصفحات، عرفت أنك لم تكن مجرد آلةٍ تكتب الكلمات، فالكومبيوتر يمكنه أن يفعل ذلك، ولكنك كنت في موضع بين ابن مقلة، وبيكاسو، ومن حقك أن تتيه على العالم الآن وتقول: أنا من كتب القرآن من ألفه إلى يائه.