📁 آخر الأخبار

في ذكرى وعد بلفور قراءة في كتاب من الانتداب إلى النكبة وفاء حميد 0

في ذكرى وعد بلفور

قراءة في كتاب من الانتداب إلى النكبة

 

وفاء حميد

 

مقدمة

يتحدث الكتاب عن مرحلة الانتداب البريطاني على أرض فلسطين بعد انتهاء الحكم العثماني وقيام دولة اسرائيل عام 1948، باعتراف دولي أممي وما تبعه من أحداث على خلفية التطورات ذات الصلة بالمحيط من مشاريع إمبريالية - بريطانية وصهيونية، وظهور حركة التحرر الوطني لمواجهة المشروع الاستيطاني (بالاعتماد على مرجعيات ومصادرات ذات ثقة، تعرف الأجيال على التاريخ العربي الفلسطيني).

 

هذا الكتاب

بعد إلحاق الهزيمة بالحكم العثماني، ومع دخول الجنرال اللنبي القدس ماشياً من باب الخليل في كانون الأول 1917، وإعلانه سريان الأحكام العرفية على البلاد، تكون بريطانيا قد استكملت رسمياً احتلال فلسطين تبعاً لتقسيمات سايكس بيكو 1916، بينها وبين فرنسا لتركه الإمبراطورية العثمانية في المشرق، التي جعلت فلسطين وشرق الأردن إلى جانب العراق من حصة بريطانيا، وبعد انسحاب الانتداب البريطاني من فلسطين (14 أيار 1948) تكون بهذا قد أنجزت مهمتها الاستعمارية بانعقاد شروط إعلان قيام دولة إسرائيل، وفي 28 حزيران 1919 وقعت الدول الأوروبية المستقلة باستثناء الاتحاد السوفييتي، على ميثاق أو عهد عصبة الأمم، ونص على المادة رقم (22) اعتماد «نظام الانتداب»، وأصبح الميثاق نافذ المفعول في 10 كانون الثاني (يناير) 1920، وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة التي كانت خارج عضوية عصبة الأمم، وافقت في 30 حزيران (يونيو) 1922 على صك الانتداب بقرار مشترك من مجلسي النواب والشيوخ، واشتمل صك الانتداب على النص الكامل لوعد بلفور، وشدّد على تنفيذ الوعد على يد سلطة الانتداب.

 

جذور فلسطين

كانت القضية الفلسطينية كجزء لا يتجزأ من الأحداث العالمية، وهي لا تزال حتى اليوم عقدة من العقد الدولية المترابطة عضوياً بعضها ببعض، والتقت على أرض فلسطين ثلاث قوى خلقت بصراعاتها القضية الفلسطينية.

الامبريالية – البريطانية، الحركة الصهيونية، الحركة القومية العربية.

يعتقد أن انكلترا بدأت منذ القرن الـ 16 تبدي اهتماماً بالشرق الأدنى بسبب تجارتها البرية مع الهند والمشرقين الأدنى والأقصى وببدء تلاشي الإمبراطورية العثمانية تخطت مصالحها التجارية إلى الإمبريالية، فهي لم نكن تريد أن ترى الدولة العثمانية مقطعة الأوصال كما أنها لم تكن ترغب في رؤية روسيا متمركزة على البوسفور.

واحتلت المواقع الاستراتيجية والاقتصادية التي يمكن أن تقطع الطرق على أية قوة تهدد الهند درة التاج الامبراطوري البريطاني، كذلك عاونت القوات العثمانية على إجلاء القوات الفرنسية عن مصر 1801، ولم تحاول البقاء فيها لكن الأطماع الكولونية البريطانية عادت في فترة محاولة حاكم مصر محمد علي و ولده ابراهيم باشا إقامة الدولة العربية الكبيرة الاولى بين عام1831-1840 وتبنت الكولونية البريطانية الفكرة الصهيونية من قبل أن تنشأ منظمة صهيونية أو يضع اسسها إيدلوجي يهودي.

وبما أن الدول الكولونية تسعى لاقتسام تركة الامبراطورية العثمانية في الشرق الأدنى تظاهرات بالدفاع عن هذه الطائفة أو تلك.

وجدت بريطانيا أنها في حاجة، إلى طائفة لتواجه روسيا وفرنسا فأرادت أن تتوكأ على اليهود، كما وجدت فرنسا بغيتها في زعماء الموارنة، وروسيا القيصرية في زعماء الأرثوذكس، حيث تمتعت الدول الاوربية بنظام الامتيازات الأجنبية حقوقاً خاصة، منها عدم المثول أمام المحاكم المحلية.

ويعود تقدير نشوء الصهيونية لأحد كبار زعماء الصهيونيين القدامى ناحوم سوكولوف في كتابه «تاريخ الصهيونية» او إنها حقيقة بسيطة ....يبدأ تاريخ اسرائيل بالصهيونية وبين هذا التاريخ  في الأزمنة السحيقة طريق تحقيق الصهيونية.... فالخروج من مصر كان مثلاً للجمع بين الهجرة والكولونية  والعودة من بابل كانت حدثاً صهيونياً عظمياً.

وفي العصر الوسيط في أوروبا فرض على اليهود الغيتوات، لأن المجتمع كان يراهم منبوذين وغير أهل للتعايش معهم و أدت الثورة البرجوازية في أوروبا عامة، إلى تحيطم جدران الغيتوات وخاصة في فرنسا كان لها انعطاف حاسم في انهيار النظام الاقطاعي وانتصار الرأسمالي، واندماج اليهود بالشعوب اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وتبلورت الفكرة الصهيونية السياسية المعاصرة في القرن الـ 19في كتاب «تيودور هرتسل» «الدولة اليهودية» 1896، كان كتابه تجسيداً للايدلوجية الصهيونية، ومخططاً لبناء الدولة اليهودية.

وبدأت المفاوضات في تحديد أرض لإقامة دولة إسرائيلية، فكان الاقتراح أوغندا، لكنه فشل لأنها لن تحرك عواطف اليهود كما تحركها فلسطين التي ترتبط بتقاليدهم وطقوسهم الدينية وأبان الحرب العالمية الأولى تم تقسيم ممتلكات الإمبراطورية العثمانية بعثا المشاريع الإمبريالية البريطانية القديمة وعاد البحث من جديد في «إعادة دولة اسرائيل» عقد في بال المؤتمر الصهيوني الأول وصاغ البرنامج الصهيوني على الوجه الآتي: «تسعى الصهيونية إلى بناء وطن للشعب اليهودي في فلسطين، يضمنه القانون العام (الدولي)»، وتم تحديد فلسطين هدفاً للاستيطان الاستعماري الصهيوني وما إن وقعت الحرب العالمية الأولى في عام 1914 بين كتلتين من الدول الإمبريالية، بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية من ناحية، وألمانيا والنمسا/ المجر وتركيا من ناحية أخرى، حتى اشتد التقاطب القومي في المنظمة الصهيونية وتعمق الصراع الاجتماعي في الطوائف اليهودية توافقاً مع موقع اليهود الطبقي...

وبعد مفاوضات دبلوماسية تم الاتفاق بين الدول الإمبريالية الثلاث على تقسيم التركة وعرف الاتفاق بـ الإنجلو/ الفرنسي - الروسي من العام 1916 باتفاق سايكس بيكو وفي عهد لويد جورج كليمنصو رئيس الوزراء البريطاني صدر وعد بلفور فقد جاء هذا الوعد الذي اتخذ صورة رسالة من اللورد بلفور وزير خارجية بريطانيا إلى اللورد روتشيلد، فمن الطبيعي أو المؤكد أن بريطانيا حين أصدرت الوعد أخذت بعين الاعتبار ممحكات استخدام الصهيونية في مواجهة حركة  التحرر القومي العربية التي بدأت تتبلور بوضوح وتتحول إلى حركة ذات جذور بين الجماهير العربية في سورية الطبيعية والعراق وغيرها ... وصدر بيان في 8 تشرين الثاني 1918 بأن نوايا فرنسا وانكلترا تهدف إلى تحرير الشعوب من ظلم الأتراك واستعبادهم وخلاصهم من عسف الألمان ومطامعهم وتأليف حكومات وادارات وطنية حرة تنتخب حسب رغائب الأمة، وأكد د. وايزمن في كتابة «التجربة والخطأ» أنه أوضح للأمير رغبته في تبديد مخاوف العرب، وطلب منه تأييده، واتفق الأمير اتفاقاً تاماً مع وايزمن حول الفوائد التي يجنبها العرب

من تنفيذ البرنامج الصهيوني، وعقد المؤتمر السوري الأول في دمشق 8 حزيران1919 تعلن بإجماع الرأي أن بلاد سورية بحدودها الطبيعية ومنها فلسطين رفض مزاعم الصهيوني في جعل فلسطين وطناً قومياً لليهود، أو محل هجرة لهم، وفي 28حزيران وقعت الدول الأوربية المستقلة باستثناء الاتحاد السوفيتي ميثاق أو عهد عصبة الأمم الذي نصت المادة 22 فيه على نظام الانتداب الذي حدد بدوره حالة فلسطين فالحقيقة أن بداية المعركة بين العرب واليهود كانت في رفض الحركة القومية الموحدة في سورية الطبيعية، الاحتلال ووعد بلفور ومطامع الصهيونية وتطورت المعركة مع الامبريالية البريطانية حتى من قبل أن ينفصل «القطاع الفلسطيني» عن الحركة القومية العربية في سوريا الطبيعية ويتلاءم مع الظروف التجزئة الامبريالية في العالم العربي، يعتبر الكاتب أن أول نموز1920 نهاية الإدارة العسكرية في فلسطين وبداية الحكم المدني الذي دشنه تسلم المندوب السامي الأول السير هيربرت صموئيل مهام منصبه في البلاد.

في عام 1921 عقد مؤتمر القاهرة بحضور وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل وكبار الجنرالات تم تعيين فيصل ملك على العراق وعبد الله شقيق فيصل أمير على شرق الاردن ومحاولة إقامة مجلس تشريعي فلسطيني بدل الاستشاري الذي أقامه المندوب السامي ولكنها كانت فاشلة وهكذا انفجرت الاضطرابات في يافا أثر اصطدام وقع في العمال الهستدروتيون الصهيوني وحزب العمال الاشتراكي الخارج على الصهيونية، واصطدام العرب ووقعت الواقعة مثل النار على الهشيم، وألفت لجنة لتحقيق عن اسباب الانفجار وكان الاستنتاج ممارسة الصهيونية سياسية الاحتلال وطرد العمال من العمل وأصدرت الحكومة البريطانية «الكتاب الأبيض» 1922، أذاعه وزير المستعمرات وينستون تشرشل، وفي 30 حزيران (يونيو) أقر الكونغرس قرار إقامة وطن يهودي في فلسطين، على أن لا يصاب بالضرر السكان الأصليين، وبعد شهر على «الكتاب الأبيض» صادق مجلس عصبة الأمم على نظام الانتداب على فلسطين، وانتهت الممحكات بين الدول حول تقسيمات التركة العثمانية بعد الحرب الأولى، واكتسبت بريطانيا حقاً شرعياً ودولياً في سيطرتها على فلسطين.

واصلت الحركة القومية نشاطها الساسي على شكل مؤتمرات ووفود تحج إلى لندن، وتحاول «إقناع» المسؤولين فيها عن بعد القضية الفلسطينية، وكان أبرز حدث في 1929 قيام وكالة يهودية قائمة على مجمع الشتات، واستحالة العيش في المهجر، وإقامة الدولة اليهودية، إضافة إلى تضاعف الملكيات اليهودية في الأراضي من 240 ألف دونم في عام 1914 – 1918 إلى حوالي مليون دونم في 1928 .

وتصادم العرب واليهود والمعروفة بحادثة «البراق» سقط قتلى يهود واستشهد فيها العديد من الفلسطينيين ولم تكن هذه المظاهرات عنصرية بالمعنى المعاصر بل معادية للإمبريالية البريطانية التي ترمي إلى إخفاء القومية العربية في وطنها وتحل محلها القومية اليهودية لا حدود لها، وأعلنت الحكومة البريطانية في «الكتاب الأبيض» لكسب عطف الجماهير العربية تخفيض الهجرة ما دامت هذه الهجرة تسبب حرمان السكان من الحصول على الأشغال الضرورية لعيشهم، ولقد صدرت 1931 الرسالة السوداء بعد عاصفة من نقد «الكتاب الأبيض» أطلقتها المحافل الإمبريالية البريطانية التي كانت ترى في «الكتاب الأبيض» مناورة انتهت دورها.

وأعلنت على وجود الأراضي للاستيطان الصهيوني ووافقت على استمرار الهجرة للعمال اليهود للعمل في منشئات رأس المال اليهودي، واستمرار عملية جلاء الفلاحين العرب على الأراضي التي باعها الإقطاعيين للهيئات الصهيونية، ونمو الطبقة العاملة، تنظيمياً حول الحركة القومية العربية، إلى طريق مكافحة الامبريالية البريطانية بدلاً من الإنحراف عن هذا النضال، إلى الاحتراب العنصري، وأصدرت اللجنة التنفيذية بياناً حذرت فيه خطر الهجرة الصهيونية وانتقال الاراضي إليها ثم جاء مؤتمر 26 آذار (مارس) 1933 اشترك فيه ممثلين مختلف فئات الشعب من مدن وقرى، قرر عدم التعاون مع السلطات البريطانية ومقاطعة البضائع البريطانية والصهيونية واستنفر الرأي العام العربي في فلسطين، ودفع تشديد الكفاح في مجريات المؤتمر الصهيوني الذي عقد في براغ 1933 دعا إلى بناء وطن قومي لليهود في فلسطين بأسرع ما يمكن، كانت عوامل الهبة التي انفجرت بعد شهرين، وكانت المظاهرات التي وجهت في سائر المدن تعبيراً عن نضالية الجماهير ودعيها، وتأسست الاحزاب الفلسطينية حزب الدفاع الوطني برئاسة النشاشيبي احدى العائلات الاقطاعية ولم تختلف قيادة الحزب العربي الفلسطيني برئاسة جمال الحسيني في انتسابها الطبقي وحيال كل هذه الأحزاب الطبقية كان هناك الحزب الشيوعي الذي وحد بين صفوف الشيوعيين اليهود والعرب وحارب الامبريالية البريطانية والصهيونية وتراكمت الأحداث في سنوات الثلاثين حتى خلقت وصفاً خطيراً على الصعيد الدولي شهدت المنطقة انبعاثاً في النشاط القومي في مصر وسوريا وكان على درجة من الحيوية في القطرين بحيث حقق أهدافه خلال بضعة شهور وفاز القطران بالاستقلال القومي كان عاملاً في ثورة 1936 في فلسطين، ولكنه لم يكن حافزاً لها، أما الحافز كان ظروف «هبة 1933» انفجرت الثورة الكبرى في أعتاب حادثة قطع طريق عادية أودت بحياة يهودين في 15 نيسان 1936 على طولكرم ونابلس، وقتلت عناصر يهودية عاملين في كوخ على طريق بيتح تكفا – كفارسابا (16/4/1936) انتقاماً لقتل اليهوديين، ووقعت حوادث واعتداءات على المواطنين العرب في يافا، واستنفرت بدورها اعتداءات مماثلة على المواطنين اليهود، واستخدمت الإدارة البريطانية أساليب القمع والوحشية لتدمير معنويات الجماهير ومهاجمة القرى وضربها بالرصاص دون تمييز، وقامت بنسف حي بأكمله في يافا بحجة التجميل، ولم يكن غريباً أن تتضامن الحركات القومية في سوريا ولبنان وشرقي الأردن مع الحركة القومية، واستمر صمود الشعب وإرادته في وجه الإمبريالية والصهيونية الدولية، وتصاعد عنف الثورة، وبدأت محاولات تهدئته واشتدت إجراءات القمع أضعافاً بعدها، وناشد ملكا السعودية والعراق وأمير شرق الأردن في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 1936 الشعب العربي الفلسطيني، «الإخلاء إلى السكينة حقناً للدماء على حسن نوايا صديقتنا الحكومة، ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل»، وهكذا انتهى أكبر إضراب شهدته المنطقة في تاريخها المعاصر، وبدأت البلاد تستعد لاستقبال لجنة التحقيق الملكية. وفي 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 1939 وصلت لجنة التحقيق الملكية برئاسة «إيرل بيل»، وتلخص مشروع اللجنة بإنهاء الانتداب البريطاني، وأقامت دولتين في فلسطين؛ عربية ويهودية، واقتطاع أجزاء من البلاد ووضعها تحت سلطة الانتداب لحمايتها، بوصفها أماكن مقدسة.

أثار التقرير موجة من الاحتجاج العارم، ودفع الحركة القومية إلى مرحلة جديدة، وكانت أصداء التقسيم في العالم العربي أبرزت الحكومة السورية في مذكرتها إلى قناصل الدول 21/7/1937 أن التقسيم سيؤدي إلى جلاء العرب من بلادهم، وستستمر الخصومات ويضطرب حبل الأمن في الشرق العربي، أما رئيس وزراء مصر، مصطفى النحاس أكد أن حكومتها تحرص على توطيد الود والإخاء وتبادل المنافع التي ترتبط بين مصر والشعوب العربية. أما الأقطار الواقعة في قبضة الإمبريالية الفرنسية مثل تونس والمغرب والأقصى والجزائر قامت الحركات القومية باستنكار التقسيم وفي «مؤتمر بلودان» الذي عقد في 8 أيلول (سبتمبر) 1937 بحضور 400 من ممثلين من مختلف الأقطار العربية قرر أن فلسطين بلاد عربية، وأن واجب العرب إنقاذ هذا القطر من الخطر المحدق به، وهو يستنكر فكرة التقسيم، ويؤكد أن القضية يمكن أن تحل على أساس إلغاء الانتداب ووعد بلفور، وعقد معاهدة بين البريطانية وممثلي العرب في فلسطين على غرار المعاهدة العراقية، وقد توقع بن غوريون أن تؤدي الحرب إلى قيام الدولة اليهودية، فكان يقول: «إذا كانت الحرب العالمية الأولى قد جاءت بوعد بلفور، فالحرب الثانية ستأتي بدولة اليهودية»

 

الثورة الكبرى في فلسطين

1936 – 1939

 

في تاريخ النضال الفلسطيني برمته لم تكن الثورة الشعبية المسلحة أقرب إلى الانتصار مما كانت عليه في تلك التي امتدت بين أواخر العام 1937 وأوائل العام 1939، ثورة 1936 لم تمت، فهي مستمرة في التضامن الراهن، مستمر بشكل جديد، بسبب خبرة جديدة تراكمت في سنين، لا بل عقود المعاناة والمقاومة والبحث عن أفق.

قد سهل الانتداب البريطاني للرأسمالية اليهودية السيطرة على البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني، سيطرت البطالة على العمال الفلسطينيين، وطالبوا بمظاهرة رفضتها بريطانية، وقام الصهاينة بضرب 55 شيوعياً يهودياً وطردهم نحو يافا، ورغم صغر عددهم وعزلهم، ألقوا بكل ثقلهم في معركة 1936، وخسروا كثيراً من الشهداء والمعتقلين ولم يفلحوا أن يكونوا قوة مؤثرة، ولم يؤثر الانتداب البريطاني على المستوى الثقافي الفلسطيني، فهناك عوامل كثيرة جعلت من فلسطين مركزاً ثقافياً عربياً لها، وكانت الحركة الذاتية للمثقفين المهاجرين من وإلى فلسطين عاملاً أساسياً في ترسيخ الدور الثقافي الفلسطيني، ففي الفترة الواقعة بين 1904 – 1922 ظهرت 50 صحيفة عربية، وقبل انفجار ثورة 1936 أضيفت عشر صحف أخرى، ومن الشعراء الوطنيين الذين ألهبوا فلسطين طولها وعرضها بالتوعية والتحريض، إبراهيم طوقان، وأبو سلمى، وعبد الكريم الكرمي، وعبد الرحيم محمود، وخليل السكاكيني، وإبراهيم الدباغ.

وترجع جميع المصادر انفجار ثورة 1936 إلى الانتفاضة القسامية التي فجرها الشيخ عز الدين القسام، كانت بداية الثورة، وفي تقرير يعود سبب انفجار الثورة إلى: 1- رغبة العرب في نيل الاستقلال القومي. 2- كرههم لإنشاء وطن قومي لليهود، وتخوفهم منها، وتقدر الخسائر البشرية بين عامي 1936 – 1939 في الأربع سنوات إلى 19,792 بين جريح وقتيل على أيدي العصابات الصهيونية، وما إن جاء عام 1947 حتى كانت الظروف ناضجة كلياً لقطف ثمار الهزيمة التي منيت بها ثورة 1936، والتي أخرت الحرب العالمية الثانية موعد حصادها، ولذلك فإن الفترة التي استغرقها الفصل الثاني في الهزيمة (أواخر 1947 إلى أواسط 1948) كانت قصيرة، وكانت تتمة لفصل دموي طويل

 

التشكيلات السياسية للحركة الوطنية

1919 – 1948

 

فلسطين لم تعرف قبل الانتداب البريطاني الأحزاب والنقابات أو التنظيمات المهنية، وكان قانون الجمعيات العثماني يتيح لأصحاب الحرف تنظيم جمعيات تعاونية دون أن يبيح تشكيل نقابات، وعندما تطورت الكتل والجمعيات إلى صيغة الجمعيات الثقافية أو السياسية التي راحت تتبلور في أواخر الـ 19.

بقي الطابع النخبوي وطابع التمركز في العواصم، هما المميزين بوجودها أن أفراد النخبة الذين انضموا للجمعيات العربية القومية المناوئة للأتراك، ونشطوا في إطارها قبل الحرب العالمية الأولى، انتقلوا إبان الحرب في أطر الثورة العربية الاستقلالية التي قادها شريف مكة حسين بن علي، وبتأسيس جمعيات تضم المسلمين والمسيحيين، شاء العرب أن يظهروا أنهم متحدون في رفض المشروع الصهيوني اليهودي، فأنشئت جمعيات مثل «الجمعية العربية الفلسطينية»، «جمعية الإخاء والعفاف»، «النادي العربي» في القدس، ونشوء هذه الجمعيات جاءت لمواجهة الخطر الصهيوني وبلورة صيغة العمل المشترك، وهذه الصيغة تمثلت في المؤتمرات العربية الفلسطينية، طالب بشأن تقرير المصير والمخاوف السيطرة اليهودية، فعقدت عدة مؤتمرات وكان «المؤتمر السابع 1928» معبراً عن ضعف الصف الفلسطيني وتفسخه وانقسامه، كما جرت محاولات لتأسيس حزب في فلسطين خلال دخول القوات البريطانية إلى البلاد أسسها عدد من المتقاربين مع بريطانيا، مثل الحزب الوطني – حزب الزراع، لكن لم ينجح أي منها في جعل أكثر من جمعية صغيرة متعاونة مع بريطانيا، مناوئين للحركة الوطنية وتأسيس «حزب الأهالي» 1925، قام على نشر المبادئ الديمقراطية بين الأهالي، واتخاذ الطرق الإيجابية لتحقيق مثل الأمة الأعلى

 

من الحزب الشيوعي إلى عصبة التحرر الوطني

1923 – 1943

 

أسست الأحزاب الشيوعية في دول المشرق العربي، بعد انتصار ثورة تشرين الأول (أكتوبر) 1917 في روسيا، وظهور الحركة الشيوعية العالمية ممثلة في الأممية الشيوعية (الكونترن)، فشهدت عشرينيات القرن العشرين ولادة ثلاثة أحزاب شيوعية في كل من فلسطين ومصر وسوريا، انتسبت إلى الكونترن، والتزمت مقررات مؤتمراته العالمية، وخضعت لتوجيهات لجنته التنفيذية، لكن ما إن خفت قبضة «المركز» على الحزب الشيوعي الفلسطيني؛ حتى ظهرت خلافات شديدة بين صفوف قيادته، وأصبح هناك صعوبات في الاتصال بين الشيوعيين العرب واليهود، وخصوصاً بعد حل الكونترن في أيار (مايو) 1943، أدى إلى انشقاق الشيوعيين العرب وتشكيلهم في العام 1943 تنظيماً يسارياً عربياً جديداً باسم «عصبة التحرر الوطني في فلسطين»، بينما اقتصر الحزب الشيوعي على أعضائها بين اليهود

 

 

ملحق

 

عجزت مقاومة الحركة الوطنية الفلسطينية عن منع تحقيق المشروع الصهيوني، وعجزت عن تحقيق الأهداف التي تتناسب مع وحجم الجهود والتضحيات التي بذلها عرب فلسطين خلال الأعوام الثلاثين، التي شهدت اضطراد العمل لبناء دولة إسرائيل على أنقاض الوجود الفلسطيني، وقد كان من أسباب ذلك وجود عدد من الأسس غير المواتية التي وسمت سياسة «الحركة الوطنية العربية الفلسطينية»، فجعلتها قليلة الفعالية.