عليا نسيبة ... ستون عام من العطاء في مجال التعليم
ولدت عليا إبراهيم نسيبة عام 1927 لعائلة مقدسية عريقة ، ومنذذ نعومة أظفارها مكّنها شغفها بالتعلم والتعليم من الالتحاق بالمدرسة المأمونية طالبة رسمية ، وهي لم تتجاوز الرابعة من عمرها بعد .
سبقت عليا بنات جيلها ووجدت نفسها بين طالبات يكبرنها بعدة سنوات في الكلية الإنجليزية بالقدس الغربية ، عندما كانت فلسطين ترزح تحت الانتداب البريطاني في ثلاثينيات القرن الماضي ، وتخرجت عام 1940 بعد أن نالت الثانوية العامة "المترك"، وهي شهادة لم يكن يسمح إلا للمتفوقين بخوض امتحانها .
أكملت بعدها عامين آخرين في قسم التربية والتعليم التابع للكلية ، حتى حصلت على شهادة تسمح لها بأن أكون معلمة في المدارس عندما كان عمرها 18 عاماً ، لكنها لم تجد شاغراً في القدس بعد تخرجها ، وعملت في إحدى مدارس مدينة الخليل عام 1942 .
سرعان ما عادت نسيبة إلى مدرسة المأمونية التي درست فيها المرحلة الابتدائية ، وهناك درّست مادتي اللغة الإنجليزية والرياضيات لمدة خمس سنوات ، حتى حلّت نكبة فلسطين عام 1948 .
وعلى وقع مجازر ارتكبتها العصابات الصهيونية ، وجدت نسيبة نفسها مع آلاف الفلسطينيين في سوريا إبان النكبة ، ومكثت هناك ثلاث سنوات قبل أن تتمكن عائلتها من العودة إلى القدس ، عندما كانت تحت الحكم الأردني الذي استمر حتى احتلال المدينة عام 1967 .
وهذه كانت فترة صعبة عليها مليئة بالضياع ، لم تعمل في ذلك الوقت لمدة عامين كاملين ، وفي كل يوم كانت تقول سنعود غدا إلى القدس .
بعد العودة إلى القدس ، سافرت نسيبة مع عائلتها إلى الكويت وعملت في مدارسها ، ثم عادت إلى القدس ومدارس الخليل ، قبل أن يستقر بها الحال معلمة في مدرستها الأم ( المأمونية ) ما بين عامي 1952 و1960 ، إلى أن أصبحت مديرة للمدرسة وهي لم تتجاوز الثلاثين من عمرها .
بعد احتلال القدس ، تصدت نسيبة وزملاؤها التربويون في القدس لمحاولة المحتل تهويد المنهاج المدرسي ، مما اضطرها للإضراب عن العمل والعودة إلى مدرسة المأمونية .
لم يرق الأمر لسلطات الاحتلال ، فبدأت حينئذ بطلب مقابلتها ومن ثم بدأت رسائل التهديد ، لكنها لم تلبي أي استدعاء وصلها منهم ، ولم يستطيعوا رؤية وجهها على مدار السنين .
تطور الصراع مع الاحتلال إلى أن شلّ إضراب شامل المدارس إذ لم يلتحق بها المعلمون طوال ثلاث سنوات كاملة ، بعد أن قرر الاحتلال حذف المضامين الوطنية من المنهاج ، وهو ما جعل البحث عن بدائل للمدارس الحكومية أمراً ملحاً .
أدركت نسيبة خطورة تلك المرحلة ، فاتفقت مع إحدى قريباتها المعلمات على العمل مع "جمعية الفتاة اللاجئة" ، لفتح مدرسة تستوعب أكبر عددٍ من الطالبات وإخراجهن من المدارس الواقعة تحت سيطرة الاحتلال ، وأصبحت الفكرة واقعا عام 1970 ، بعد أن قدّم الشيخ سعد الدين العلمي بيته ليصبح أول مدرسة تمتلكها الجمعية .
لم تتوقف نسيبة عند مدرسة الفتاة اللاجئة ، فبدأت العمل بجد لفتح مدرسة أخرى في حي بيت حنينا شمال القدس لاستيعاب أعدادٍ أكبر من الطالبات ، وبجهودها الفردية .
لا تذكر أن أي معلمة قامت بالتواصل معها رفضت العمل ، أو قامت حتى بالسؤال عن قيمة الراتب ، كان الجميع يرغب في المساعدة رغم الأوضاع المادية الصعبة .
وبالتزامن مع افتتاح مدرسة الفتاة اللاجئة عام 1970 ، افتتحت المدرسة النظامية للبنات ، وكانت الأولوية فيها تسجيل الطالبات القادمات من المدارس التي تعلم المنهاج الإسرائيلي .
تكفلت عليا في تلك الفترة بدفع الكثير من نفقات المدرسة من أموالها الشخصية ، لتغطية إيجار المبنى وتوفير الأدراج وكافة المستلزمات ، وكان همها الأول والأخير إيجاد مدارس بمنهاج فلسطيني خالص ودون أي سيطرة من الاحتلال .
كانت أول الواصلين وآخر المغادرين من المدرسة ، وكانت تشعر بخوفٍ شديدٍ على الطالبات ، لم تسمح بالضرب أبداً داخل المدرسة لأي سبب كان ، وكانت تقف كل يوم على ممر المشاة لمساعدة الطالبات الصغيرات في العبور بأمان .
بدأت مدرسة النظامية بالتوسع أكثر بعد أن ضمتها نسيبة تحت جناح دائرة الأوقاف الإسلامية ، كي تمنع الاحتلال من التدخل في شؤونها أو فرض أوامره عليها . وكانت أول مدرسة تعلّم مادة الحاسوب في مدينة القدس عام 1985 ، وكانت طالبات المدارس الأخرى يأتين إليها للتعلم على أجهزتها .
استمرت عليا نسيبة في إدارة مدرسة النظامية منذ عام 1970 وحتى 2005 ، حيث قدمت استقالتها بعد أن بلغت الـ 78 من عمرها .
كانت تحرص على التجول كل يوم في كل أرجاء المدرسة وبين الصفوف ، وحين شعرت أنها لم تعد قادرة على القيام بهذه المهام يومياً ، آثرت أن تترك الإدارة وتستريح من مشوارها الطويل .
اختيرت المربية عليا نسيبة شخصية القدس عام 2011 ، وكانت تقول دائما "بذلت الغالي والنفيس لتحقيق حلمي ، وهو تأسيس جيل من الفتيات القويات المحبات لوطنهن وللقدس
المصدر : الجزيرة
توفيت اليوم 2 شباط ( فبراير ) في مدينة القدس المحتلة