📁 آخر الأخبار

سوريا التي في خاطري 39 عماد الأصفر

 سوريا التي في خاطري 39 


الانتفاضة الفلسطينية على أشدها رغم أنها ما زالت في البدايات وأبو عمار يصرح وبكل تحدي أنها لن تنتهي بل ستستمر موجة بعد موجة، قادة جيش الاحتلال ينتهجون تكسير العظام والقتل ولكن بعيدا عن الكاميرات على قلتها في تلك الفترة.


جليد العلاقة بين بعث العراق وحركة فتح يضمحل رغم استمرار نشاط مجموعات ابو نضال، اذاعة القدس من سوريا تملأ الدنيا ثورية وحماسا، بقيادة الراحل فضل شرورو  الكاتب والاديب والقيادي في فصيل الجبهة الشعبية القيادة الغامة بقيادة احمد جبريل الموالي تماما لسوريا. 


كانت هذه الاذاعة بشعارها التقليدي "على طريق تحرير الأرض والإنسان" تبث على خمس موجات قصيرة ومتوسطة وأف . ام ، وتبدأ بثها بعبارات يتقاسمها مذيع ومذيعة: 

تقول المذيعة: اذاعة القدس صوتكم المحنى بنكهة الزعتر البلدي والريحان


ويكمل زميلها: اذاعة القدس نبض الناس واحلامهم 

وتواصل المذيعة: القدس تأتيكم مع خيوط صهيل الشمس فوق مآذن الاقصى وترانيم اجراس بيت لحم 

ويستأنف المذيع: اذاعة القدس من هدير الموج على اسوار عكا وبحرها الى وشوشات النهر 

اذاعتكم لفلسطين من بحرها الى نهرها


ابدعت هذه الاذاعة والتي كانت مسموعة بوضوح داخل فلسطين المنتفضة في استخدام الاغاني الثورية وعرض الاخبار بطريقة عاجلة وحماسية، غير ان كل ذلك لم ينفعها في محاولة اعتلاء صهوة الانتفاضة، فلقد ظل الموقف من الانشقاق الفلسطيني على حاله، وظل موقف المنتفضين داعم لقيادة عرفات ولزميله ابو جهاد الذي كان يتابع امور الانتفاضة بكل تفاصيلها اولا بأول.    

  

ابو جهاد وبعد طرده واغلاق عدد من مكاتب جهاز الغربي بعمان يتردد اكثر على بغداد، القى محاضرة مهمة حول الانتفاضة بدعوة من مركز الدراسات الفلسطينية الذي انشأته جامعة بغداد عام 1967، كان كما ياسر عرفات واثقا جدا من ديمومة الانتفاضة، ومؤمنا اشد الايمان بقدراتها، فعلا كان للانتفاضة مفعول السحر في مجمل النظرة العربية لفلسطين وقضيتها وشعبها، كان لها مفعول الترياق العجيب في الجسد الفلسطيني العليل.

 

التقى عدد من الزملاء مع ابو جهاد وطلبوا منه الأذن باستخدام مكبر الصوت الموجود في السفارة للخروج في مسيرة، ستهتف للمرة الأولى منذ عقدين تقريبا لحركة فتح علنا، ودون مواربة، وأمام البعثيين، وفي عقر دارهم بحي الوزيرية حيث مقرات كافة الاتحادات الطلابية العربية ، عدنا الى أقسامنا الداخلية مساءا مبحوحي الصوت ولكن منتشين بهذا النصر الصغير.


نيسان من عام ١٩٨٨ الشهداء يتوافدون من الجبهة مع ايران بالعشرات على بغداد، واليافطات السوداء تتكاثر، وبعدها يعلن الناطق العسكري تمكن الفيلق الثالث من الجيش العراقي بقيادة ماهر عبد الرشيد من تحرير الفاو. 

وتلعلع أنشودة "يا قاع ترابك كافوري عالساتر هلهل شاجوري"، ذهبت مع وفد عربي في القطار في رحلة استغرقت نحو ١٠ ساعات لنصل البصرة، ومنها الى الفاو لندخل مكامن الجنود الإيرانيين الفارين تاركين وراءهم رسائل بالفارسية، ونتفقد أرضا ملحية ينمو فيها نبات الحناء، ونشاهد عن بعد بضع نخلات وقد غاب رأسها بفعل قذائف تركت في الأرض تدرجات لونية تخلط الشعور بالجمال ببؤس الحرب، فرحة الانتصار لم تنزع من راسي اليافطات السوداء المتساوية المساحة والتي تعلن بذات الخط ونفس الصيغة استشهاد الرفيق البطل فلان الفلاني، فكيف لهذه الانتصارات ان تلقى أثرا عند ام أو زوجة أو ابنة الشهيد.


تجولت في البصرة لا أثر للسياب ولا لغيره، وقطارنا لا يمكن ان يكون ذاته الذي حمل مظفر النواب، حين كتب رائعته "مرينا بيكم حمد، واحنا بقطار الليل، واسمعنا دق قهوة، وشمينا ريحة هيل" وهي القصيدة التي غناها ياس خضر وآخرون بعده ودخلت وجدان كل عراقي.

عدت لبغداد ناقما على البطولة والانتصارات ان كان ثمنها خراب البصرة، عدت حزينا وراثيا للعالم الذي يتغنى بالحرب، وكان في انتظاري خبر اغتيال ابو جهاد في تونس على يد وحدة اسرائيلية يقودها ايهود باراك، وما هي إلا ساعات حتى تعود دمشق الى الذاكرة، ففيها سيدفن الشهيد خليل الوزير ابو جهاد بمشاركة ياسر عرفات الذي سيعود للمرة الاولى الى دمشق بعد طرده منها قبل خمس سنوات، فهل تعود دمشق وهل يذوب الخلاف معها وهل سيعفو الجميع عما سلف؟. 

رثاه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح سليم الزعنون ابو الاديب بهذه القصيدة: 

ودّعتُ في درب الجهاد خليلاً ... وحبستُ دمع الذكريات الأولى

يا من ملكتَ من القلوب أعزّها ... وأنرت بالفكر السديد عقولا

يا حمزة الشهداء يا رمز الفدا ... انا فقدنا الصارم المصقولا

قد كنتَ أصغرنا وكنتَ امامنا ... نزهو ونفخرُ اذ تقودُ الجيلا

وسبقتَنا في موكبٍ لا ينتهي ... شهداؤه ما بدلوا تبديلا

ملأوا السماء بطيفهم وبنورهم ... ولطالما اشتاقوا اليك طويلا

يلقاك عند الله من سبقوا وهم ... قد أكثروا التكبير والتهليلا

قد كنتَ في أُفق الحياة حياتهم ْ ... واليوم في الجنات صرتَ وكيلا

لمن العواصمُ نكّستْ اعلامَها ... عمَّ الوجوم شآمها والنيلا

المسجد الأقصى يضجّ بأهله ... و ألآي فيه رُتّلت ترتيلا

وترى الكنيسة في مهيب ثيابها ... رهبانها قد رنّموا الأنجيلا

تهتز ” رملتكَ ” الحبيبةُ بالأسى ... يوم اعتزمتَ عن الحياة رحيلا

وهي التي هاجرتَ منها عنوة ً ... وشهدتَ فصلا للعذاب ثقيلا

وبغزة المختار فيض مشاعرٍ ... ذكرتك عهداً في الشباب أصيلا

ما للسماء دنَتْ اليه نجومها ... وتعاقدتْ وتنضدتْ اكليلا

هذي الحياةُ بكتْ عليه بحرقةٍ ... وهو الذي وهبَ الحياة جميلا

لمن الصخورُ تشققتْ وتدافعتْ ... فوق الرؤوس حجارةً سجيلا

وندور في كل الدوائر حيرة ... لما فقدنا في المسار خليلا

كُنتَ الجواب وكنت فارس دربنا ... بل كنت سيفا للفدى مسلولا

أُفق ٌ على اليرموك غيّب شمسنا ... وطوى حبيبا للجهاد رسولا

يا ايها الشهداء هاتوا كأسكم ... لا عاش من رضي الحياة ذليلا

ودّعتُ في اليرموك رمزاً قائدا ... علماً يرفرف بكرة وأصيلا

دوما ستبقى ملهماً ومعلماً ... ان الرواية لم تتم فصولا

ايمان حر وانتصار ارادة ... ونضال شعب يستقيم طويلا

وحنان نفس بل عقيدة مؤمن ... لم يرض يوما أن يموت قتيلا

بين الفواجع باسم لا يرتضى ... رغم الوداعة عن حمالك بديلا