📁 آخر الأخبار

سوريا التي في خاطري 38 عماد الاصفر

 سوريا التي في خاطري 38 


في مطلع اربعينيات القرن الماضي كتب الشاعر سعيد عقل رائعته "سائليني يا شآم" وذهب لتسجيلها في اذاعة دمشق، كانت الإذاعة السورية حينها تدفع للشعراء أكثر بكثير مما تدفعه الإذاعة اللبنانية: 


سَائِلِيني حينَ عَطَّرْتُ السَلَامْ ... كيف غارَ الوَرْدُ واعْتَلَّ الخُزَامْ

وأنا لَوْ رُحْتُ أسْتَرْضِي الشَذَا ... لانْثَنَى لُبنانُ عِطراً يا شَآمْ

ضِفَّتاكِ ارْتَاحَتَا في خَاطِرِي ... واحْتَمَى طَيْرُكِ في الظنِّ وَحَامْ

نَقْلَةٌ في الزهرِ أمْ عَنْدَلَةٌ ... أنتِ في الصَّحْوِ وتَصْفِيقُ يَمَامْ

أنا إنْ أَوْدَعْتُ شِعْرِي سَكْرَةً .. كُنْتِ أنْتِ السَّكْبَ أوْ كُنْتِ المُدَامْ

رُدَّ لِي مِن صَبْوَتِي يا بَرَدَى ... ذكرياتٍ زُرْنَ في لَيَّا قَوَامْ

لَيْلَةَ ارْتَاحَ لَنَا الحَوْرُ فَلَا ... غُصنٌ إلّا شَجٍ أوْ مُسْتَهَامْ

وَجِعَتْ صَفْصَافَةٌ من حُسْنِهَا ... وَعَرَى أغصانَها الخُضْرَ سَقَامْ

تَقِفُ النَّجمةُ عن دَوْرَتِها ... عِنْدَ ثَغْرَيْنِ ويَنْهَارُ الظَّلَامْ

ظَمِئَ الشرقُ فَيَا شامُ اسْكُبي ... واملأي الكأسَ لَهُ حتّى الجَمَامْ

أهلُكِ التاريخُ من فُضْلَتِهِمْ ... ذِكْرُهُمْ في عُرْوَةِ الدهْرِ وِسَامْ

أُمَوِيُونَ فإن ضِقْتِ بِهِمْ ... أَلْحَقُوا الدنيا بِبُستانِ هِشامْ

أنا لَسْتُ الغَرِدَ الفَرْدَ إذا ... قُلْتُ طابَ الجَرْحُ في شَجْوِ الحَمامْ

أنا حَسْبِي أنَّني من جَبَلٍ ... هُوَ بين اللهِ والأرض كلامْ

قِمَمٌ كالشمسِ في قِسْمَتِها ... تَلِدُ النورَ وتُعْطِيهِ الأنامْ


للاسف لم يعد هناك عطر في العلاقة بين سوريا ولبنان، لقد فسا بينهما الظربان، كما يقولون، ولم يعد الامويون للأسف قادرين حتى على حماية بستان هشام، واما الكلام بين الله والارض فقد اصبح جبلا تحتله اسرائيل، لم يعد لبنان ينثني عشقا يا شآم، لقد انحنى لفترة ذلا لشقيق غير حنون.  


كتب شربل القطار في صحيفة الشرق الاوسط قبل عامين: 

" خلال الوحدة السورية - المصرية، عام 1959، كان الرئيس جمال عبد الناصر يخطب على شرفة قصر المهاجرين في دمشق، وقال في خطابه وهو يتكلم عن الشآم «إنه سيدخلها التاريخ»، عند سماع الشاعر سعيد عقل هذه الفقرة، تذكر قصيدته عن الشآم وما كان قد أورده في كلامه عن أهلها:


أهلك التاريخ من فُضْلَتِهم ... ذكرهم في عروة الدهر وسام

أمويون فإن ضقت بهم ... الحقوا الدنيا ببستان هشام


فكانت ردة فعله الفورية هي الذهاب الى الرحابنة لتلحين هذه القصيدة على امل ان تصل لأسماع عبد الناصر من خلال صوت فيروز. اشتهرت الاغنية وبثتها الاذاعات العربية وخاصة سوريا وصوت العرب، اختار الرحابنة 14 بيتا من الابيات الـ 70 لهذه القصيدة. 

 

فوجئ سعيد عقل  بأن «الرسالة» للرئيس عبد الناصر لم تصل كما اراد، فاتصل بالنائب اللبناني إميل البستاني، وكانت تربطه علاقة خاصة بعبد الناصر ويلتقي به بشكل متواصل، فأخبره سعيد عقل بما يتصل بقصيدته التي غنتها فيروز، وطلب منه إبلاغ عبد الناصر ظروف الأغنية، وبعد أيام صدرت تعليمات بمنع بث الأغنية في إذاعات القاهرة ودمشق، وبقي المنع حتى صبيحة الانقلاب على الوحدة بتاريخ 28 أيلول 1961 .


صبيحة ذلك اليوم بدأت إذاعة دمشق في بث بلاغات انقلاب الانفصال والأناشيد الحماسية، وفي مقدمتها أغنية فيروز «سائليني يا شآم»، وبعد ذلك أصبحت الأغنية الحماسية التي تبث بمناسبة الانقلابات السورية التي تعاقبت على دمشق" 


رحل عقل عن عالمنا عن 102 عاما، نترحم عليه ونقول: ليته احسن ختامه، بقيت فصحاه، واشعاره، واما دعواته السياسية فقد ذهبت ادراج الرياح، ومعها الابجدية التي ارادها للبنان والمؤلفة من 36 حرفا ما بين حروف لاتينة واخرى جديدة. في الصورة احد اعداد صحيفة لبنان بلغة عقل الجديدة، حاولوا قراءة العنوان الرئيس: " نعمل تغييرات؟ بذل احتلال، ولا واحد، ولو مهما اشتد الضغط الامني"، ومثلما مضى عقل ومضى سابقون سيمضي لاحقون، أحسنوا ختامكم. ما بظل في الوادي غير حجاره. واما الزبد فيذهب جفاء.