المنحة الأميرية القطرية
علاقة أصول النحو بأصول الفقه
دكتور .. سعد بن محمد داود
يُعدّ علم النحو من أكثر علوم العربيّة ارتباطا بالشريعة الإسلامية ، وأشدها تداخلا فيها ، فهو شرط في رتبة الاجتهاد ، ومعرفته فرض كفاية ، فالفقيه في مجال استنباط الأحكام الشرعيّة من نصوص الكتاب والسنّة ، لا بد من معرفته طرق دلالة النّص على ما يحمله من معنى ..
- والمعنى الحقيقيّ : هو ما يخصّ علم المعاجم .
- والمعنى الاستعمالي : هو ما يخصّ علم البيان .
- والمعنى الوظيفيّ : وهو ما تؤديه الكلمة في أثناء تراكيبها مع غيرها من وظيفة من أجلها استخدمت في هذا التركيب، هي كونها حدثا صادرا عن ذات ، أو فاعلاً صادراً عنه الحدث ، أو مفعولاً وقع عليه الحدث ،أو تمييزاً لمبهم ، وما إلى ذلك من معانٍ وظيفية لا تفهم إلا عند التركيب ، والعلم الذي تكفّل بذلك هو علم النحو ( ) هذا من ناحية ..
ومن ناحية أخرى فإن الشريعة الإسلامية متمثلة في نصوص القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، تُعد أصلا من أصول الاحتجاج في النحو العربيّ .
... إذا كان لكل علم أصوله العامة ، وقواعده الكليّة التي يُبحث فيها عن أدلته الإجمالية ،ومدى انطباقها على الجزئيات ، فإنّ ذلك يحتم علينا أن نبحث العلاقة بين النحو وأصوله ، والفقه وأصوله ومدي تأثير كل منهما وتأثره بالآخر .
اهتمام الفقهاء بالنحو :
إذا أردنا أن نتتبع النحو من خلال تطور الفقه الإسلاميّ من بداياته الأولى على يد الصحابة ، والتابعين ، إلى أن صار صناعة لها منهجها ومنطقها الواضح الذي هو ( أصول الفقه ) وجدنا النحو عنصراً أساسياً من عناصر هذا المنهج ، وإنْ اختلفت قوةً وضعفاً تبعاً لقرب الفقهاء وبعدهم من منابع اللغة الأولى .
ففي عصر الصحابة – رضوان الله عليهم – وبالرغم من أن القرآن نزل بلسانهم الذي كانوا به ينطقون ، وأن السنة كانت خطاباً بما يفهمون ، ويألفون ، وجدنا للنحو في بعض المسائل الفقهيّة التي اختلفوا فيها أثراً لا ينكر ، من ذلك :
- اختلاف ابن عّبّاس مع عثمان في مسألة حجب الأم عن الثلث إلى السدس بأخويْنِ ، حيث رأى ( ابن عباس ) إنها لا تحجب إلا بثلاثة أخوة ، مستدلاً بقوله تعالى " فإن كان له أخوةٌ فلأمه السدس " ( ) . قائلاً : والأخوان بلسان قومك ليسا بإخوة( ). فمفهوم ابن عباس أن لفظ إخوة جمع ، وأقل الجمع ثلاثة ، وهي مسألة كانت مثار خلاف بين الفقهاء ( ) .
وقد أفاض السيوطيّ في عرض أمثلة وردت عن ابن عباس في الاستشهاد بالشعر الجاهلي على تفسير القرآن الكريم ، من ذلك ما ورد أنه كان جالساً بفناء الكعبة يسأله الناس عن تفسير القرآن الكريم ، فجاء رجلان فقالا : إنّا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله ، فقال أحدهما : أخبرني عن قوله تعالى " عن اليمين وعن الشمال عزين " ( ) . فقال : العِزونَ (حَلَقُ الرِفاق ) أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول :
فجاءوا يُهرعون عليه حتى يكونوا حول منبره عِزينا( ( .
- كما سأله عن قوله تعالى " أفَلم ييأسِ الذين آمنوا ..."( ) .
فقال ، معناه : أفلم (يعلم ) ، أما سمعت قول القائل :
لقد يئس الأقوام أني أنا ابنه وإن كنت ُ عن أرض العشيرة نائيا ( ) .
وقد سار التابعون على درب الصحابة في التفسير اللغويّ ، فمن ذلك تفسيرهم قوله تعالى " وجوةٌ يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة "( ) ، فقد فسروا النظر ( هنا ) ب ( الرجاء والتوقع ) معتمدين على قول الشاعر:
وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك زدتني نعما ( ) .
والأمثلة تفيض بها كتب الأصول .
......................................................................................
1- البحث اللغويّ عند الأصوليين ص 8، 9 .
2- النساء من الآية (11) .
3- ممن ذكر الخلاف ابن حزم في الأحكام 1/391 .
4- مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص 115 .
5- المعرج آية ( 37) .
6- البيت من ( الوافر) ذكره السيوطي في الاتقان 1/220 .
7- الرعد من الآية ( 31) .
8- البيت من ( الطويل ) انظر الاتقان 1/121 – معاني القرآن للفراء 2/ 63، 64 .
9- القيامة الآيتان ( 22 ، 23 ) .
10- البيت من ( الكامل ) انظر التفسير والمفسرون 1/376 - محمد حسين الذهبيّ .
علاقة أصول النحو بأصول الفقه
دكتور .. سعد بن محمد داود
يُعدّ علم النحو من أكثر علوم العربيّة ارتباطا بالشريعة الإسلامية ، وأشدها تداخلا فيها ، فهو شرط في رتبة الاجتهاد ، ومعرفته فرض كفاية ، فالفقيه في مجال استنباط الأحكام الشرعيّة من نصوص الكتاب والسنّة ، لا بد من معرفته طرق دلالة النّص على ما يحمله من معنى ..
- والمعنى الحقيقيّ : هو ما يخصّ علم المعاجم .
- والمعنى الاستعمالي : هو ما يخصّ علم البيان .
- والمعنى الوظيفيّ : وهو ما تؤديه الكلمة في أثناء تراكيبها مع غيرها من وظيفة من أجلها استخدمت في هذا التركيب، هي كونها حدثا صادرا عن ذات ، أو فاعلاً صادراً عنه الحدث ، أو مفعولاً وقع عليه الحدث ،أو تمييزاً لمبهم ، وما إلى ذلك من معانٍ وظيفية لا تفهم إلا عند التركيب ، والعلم الذي تكفّل بذلك هو علم النحو ( ) هذا من ناحية ..
ومن ناحية أخرى فإن الشريعة الإسلامية متمثلة في نصوص القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، تُعد أصلا من أصول الاحتجاج في النحو العربيّ .
... إذا كان لكل علم أصوله العامة ، وقواعده الكليّة التي يُبحث فيها عن أدلته الإجمالية ،ومدى انطباقها على الجزئيات ، فإنّ ذلك يحتم علينا أن نبحث العلاقة بين النحو وأصوله ، والفقه وأصوله ومدي تأثير كل منهما وتأثره بالآخر .
اهتمام الفقهاء بالنحو :
إذا أردنا أن نتتبع النحو من خلال تطور الفقه الإسلاميّ من بداياته الأولى على يد الصحابة ، والتابعين ، إلى أن صار صناعة لها منهجها ومنطقها الواضح الذي هو ( أصول الفقه ) وجدنا النحو عنصراً أساسياً من عناصر هذا المنهج ، وإنْ اختلفت قوةً وضعفاً تبعاً لقرب الفقهاء وبعدهم من منابع اللغة الأولى .
ففي عصر الصحابة – رضوان الله عليهم – وبالرغم من أن القرآن نزل بلسانهم الذي كانوا به ينطقون ، وأن السنة كانت خطاباً بما يفهمون ، ويألفون ، وجدنا للنحو في بعض المسائل الفقهيّة التي اختلفوا فيها أثراً لا ينكر ، من ذلك :
- اختلاف ابن عّبّاس مع عثمان في مسألة حجب الأم عن الثلث إلى السدس بأخويْنِ ، حيث رأى ( ابن عباس ) إنها لا تحجب إلا بثلاثة أخوة ، مستدلاً بقوله تعالى " فإن كان له أخوةٌ فلأمه السدس " ( ) . قائلاً : والأخوان بلسان قومك ليسا بإخوة( ). فمفهوم ابن عباس أن لفظ إخوة جمع ، وأقل الجمع ثلاثة ، وهي مسألة كانت مثار خلاف بين الفقهاء ( ) .
وقد أفاض السيوطيّ في عرض أمثلة وردت عن ابن عباس في الاستشهاد بالشعر الجاهلي على تفسير القرآن الكريم ، من ذلك ما ورد أنه كان جالساً بفناء الكعبة يسأله الناس عن تفسير القرآن الكريم ، فجاء رجلان فقالا : إنّا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله ، فقال أحدهما : أخبرني عن قوله تعالى " عن اليمين وعن الشمال عزين " ( ) . فقال : العِزونَ (حَلَقُ الرِفاق ) أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول :
فجاءوا يُهرعون عليه حتى يكونوا حول منبره عِزينا( ( .
- كما سأله عن قوله تعالى " أفَلم ييأسِ الذين آمنوا ..."( ) .
فقال ، معناه : أفلم (يعلم ) ، أما سمعت قول القائل :
لقد يئس الأقوام أني أنا ابنه وإن كنت ُ عن أرض العشيرة نائيا ( ) .
وقد سار التابعون على درب الصحابة في التفسير اللغويّ ، فمن ذلك تفسيرهم قوله تعالى " وجوةٌ يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة "( ) ، فقد فسروا النظر ( هنا ) ب ( الرجاء والتوقع ) معتمدين على قول الشاعر:
وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك زدتني نعما ( ) .
والأمثلة تفيض بها كتب الأصول .
......................................................................................
1- البحث اللغويّ عند الأصوليين ص 8، 9 .
2- النساء من الآية (11) .
3- ممن ذكر الخلاف ابن حزم في الأحكام 1/391 .
4- مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص 115 .
5- المعرج آية ( 37) .
6- البيت من ( الوافر) ذكره السيوطي في الاتقان 1/220 .
7- الرعد من الآية ( 31) .
8- البيت من ( الطويل ) انظر الاتقان 1/121 – معاني القرآن للفراء 2/ 63، 64 .
9- القيامة الآيتان ( 22 ، 23 ) .
10- البيت من ( الكامل ) انظر التفسير والمفسرون 1/376 - محمد حسين الذهبيّ .