📁 آخر الأخبار

علاقة أصول النحو بأصول الفقه دكتور .. سعد بن محمد داود

المنحة الأميرية القطرية

علاقة أصول النحو بأصول الفقه
دكتور .. سعد بن محمد داود

يُعدّ علم النحو من أكثر علوم العربيّة ارتباطا بالشريعة الإسلامية ، وأشدها تداخلا فيها ، فهو شرط في رتبة الاجتهاد ، ومعرفته فرض كفاية ، فالفقيه في مجال استنباط الأحكام الشرعيّة من نصوص الكتاب والسنّة ، لا بد من معرفته طرق دلالة النّص على ما يحمله من معنى ..
- والمعنى الحقيقيّ : هو ما يخصّ علم المعاجم .
- والمعنى الاستعمالي : هو ما يخصّ علم البيان .
- والمعنى الوظيفيّ : وهو ما تؤديه الكلمة في أثناء تراكيبها مع غيرها من وظيفة من أجلها استخدمت في هذا التركيب، هي كونها حدثا صادرا عن ذات ، أو فاعلاً صادراً عنه الحدث ، أو مفعولاً وقع عليه الحدث ،أو تمييزاً لمبهم ، وما إلى ذلك من معانٍ وظيفية لا تفهم إلا عند التركيب ، والعلم الذي تكفّل بذلك هو علم النحو ( ) هذا من ناحية ..
ومن ناحية أخرى فإن الشريعة الإسلامية متمثلة في نصوص القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، تُعد أصلا من أصول الاحتجاج في النحو العربيّ .
... إذا كان لكل علم أصوله العامة ، وقواعده الكليّة التي يُبحث فيها عن أدلته الإجمالية ،ومدى انطباقها على الجزئيات ، فإنّ ذلك يحتم علينا أن نبحث العلاقة بين النحو وأصوله ، والفقه وأصوله ومدي تأثير كل منهما وتأثره بالآخر .
اهتمام الفقهاء بالنحو :
إذا أردنا أن نتتبع النحو من خلال تطور الفقه الإسلاميّ من بداياته الأولى على يد الصحابة ، والتابعين ، إلى أن صار صناعة لها منهجها ومنطقها الواضح الذي هو ( أصول الفقه ) وجدنا النحو عنصراً أساسياً من عناصر هذا المنهج ، وإنْ اختلفت قوةً وضعفاً تبعاً لقرب الفقهاء وبعدهم من منابع اللغة الأولى .
ففي عصر الصحابة – رضوان الله عليهم – وبالرغم من أن القرآن نزل بلسانهم الذي كانوا به ينطقون ، وأن السنة كانت خطاباً بما يفهمون ، ويألفون ، وجدنا للنحو في بعض المسائل الفقهيّة التي اختلفوا فيها أثراً لا ينكر ، من ذلك :
- اختلاف ابن عّبّاس مع عثمان في مسألة حجب الأم عن الثلث إلى السدس بأخويْنِ ، حيث رأى ( ابن عباس ) إنها لا تحجب إلا بثلاثة أخوة ، مستدلاً بقوله تعالى " فإن كان له أخوةٌ فلأمه السدس " ( ) . قائلاً : والأخوان بلسان قومك ليسا بإخوة( ). فمفهوم ابن عباس أن لفظ إخوة جمع ، وأقل الجمع ثلاثة ، وهي مسألة كانت مثار خلاف بين الفقهاء ( ) .
وقد أفاض السيوطيّ في عرض أمثلة وردت عن ابن عباس في الاستشهاد بالشعر الجاهلي على تفسير القرآن الكريم ، من ذلك ما ورد أنه كان جالساً بفناء الكعبة يسأله الناس عن تفسير القرآن الكريم ، فجاء رجلان فقالا : إنّا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله ، فقال أحدهما : أخبرني عن قوله تعالى " عن اليمين وعن الشمال عزين " ( ) . فقال : العِزونَ (حَلَقُ الرِفاق ) أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول :
فجاءوا يُهرعون عليه حتى يكونوا حول منبره عِزينا( ( .
- كما سأله عن قوله تعالى " أفَلم ييأسِ الذين آمنوا ..."( ) .
فقال ، معناه : أفلم (يعلم ) ، أما سمعت قول القائل :
لقد يئس الأقوام أني أنا ابنه وإن كنت ُ عن أرض العشيرة نائيا ( ) .

وقد سار التابعون على درب الصحابة في التفسير اللغويّ ، فمن ذلك تفسيرهم قوله تعالى " وجوةٌ يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة "( ) ، فقد فسروا النظر ( هنا ) ب ( الرجاء والتوقع ) معتمدين على قول الشاعر:

وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك زدتني نعما ( ) .
والأمثلة تفيض بها كتب الأصول .
......................................................................................

1- البحث اللغويّ عند الأصوليين ص 8، 9 .
2- النساء من الآية (11) .
3- ممن ذكر الخلاف ابن حزم في الأحكام 1/391 .
4- مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص 115 .
5- المعرج آية ( 37) .
6- البيت من ( الوافر) ذكره السيوطي في الاتقان 1/220 .
7- الرعد من الآية ( 31) .
8- البيت من ( الطويل ) انظر الاتقان 1/121 – معاني القرآن للفراء 2/ 63، 64 .
9- القيامة الآيتان ( 22 ، 23 ) .
10- البيت من ( الكامل ) انظر التفسير والمفسرون 1/376 - محمد حسين الذهبيّ .