ثم يتهموك بقلة الأدب..!!
كلكم يعلم قصة الشاعر الأعرابي علي بن الجهم، الذي قَدِم من الصحراء العربية الى قصر الخليفة العباسي المتوكل في بغداد، وأراد أن يمتدحه لينتش منه 50 دينار، بما يألفه صاحبنا من فناء الدار، فراح يصفه بأنه كلبٌ في الوفاء، وحرثونٌ بالدهاء، وبربيش مي في الرش والسخاء .. الخ، الى أن نهره أحد حاشية الخليفة من أصحاب الرعش حول العرش.. قائلا له.. ولك شو بتقول يا جحش؟؟؟
المتوكل قال "سيبوووه"، ثم أمر أن يأخذوه وينظفوه، وفي نهر دجله يغتوووه وبين الزهور والنساء يحطوووه.. ليعود بعد وقت قصيرٍ غير مبطي، قائلا قصيدته التي مطلعها:
عيونُ المها بينَ الرُصافةِ والجسرِ
جلبنَ الهوى من حيثُ أدري ولا أدري
أقسم لكم بجلال الملك القدوس، أن هذا ما حدثَ معي مطلع التسعينات لكن على نحوٍ معكوس.. فقد ألفيتُ نفسي رقيبا بالخدمات الطبية، وملحقاً بسلاح الجو في منطقة ماركا الشمالية، وبعد كل يوم دوام، أروح أتسكع في أجمل مناطق عمان، الثقافية والفنية، أمسيات، محاضرات، ندوات.. وما خليت مسارح الا تجدني فيها سارح، بدءا من دارة عمون الى مؤسسة عبدالحميد شومان، مرة أغوص بالأدب والرويات العالمية، ومرة أحلق مع الفلسفات المثالية، مرة أتلبد في مكتبة أبوعلي ومرة تجدني أتمدد في مكتبة البلدية.. ثم أعاود مساءً الى معسكري كي أبات، محملاً بشتى الصحف والكتب والمجلات، حيث أضعها هناك تحت السرير، وأتحدث بها مع كل زميلٍ ومدير، و بأرقى وأجمل العبارات، شارحاً لهم أخر الدرسات والنظريات والفرضيات، غير أن هذا الحال لم يرق لأيٍّ من المدراء والزملاء الذين راحو ينظرون إلي بنظرةٍ متشككة، وقالو لي والله يا ولد إنت شكلك وراك لوكه.. وسوالفك بتجيب الدَوَر .. وقصصك مثل طبيخ النّوَر، ثم إستأذنني صاحبي بكل أدب أن يبلّغَ عنّي مُديرو.. حتى تيجي منو ما تيجي من غيروو..
المهم، طلبني الى مكتبه العقيد الطبيب (م.ع) الله يرحمو إن كان متوفي، وينتقم من خشومو إن كان متبقي، وقال لي بصريح النص.. "انت وبعدين معك يا عرص؟"، قلت له (أرجوك يا سيدي إسمحلي بالحوار، ودعني أفهم منك بالزبط شو صار؟) فقال لي بإختصار أن إضبارتي الأمنية صارت من الضخامة بحيث ينوء بحملها الحمار.. وأنه لا طاقة له بالصبر علي أو حتى الإنتظار، فأمر جنوده أن يحملوني أنا ويطقي وشجوني.. وفي جبال النقب يرموني.. ثم أقسم لي أغلظ يمين، أن أعود من منفاي بعد 6 شهورٍ لا أميز بين اليسار و اليمين..
وفعلا صدق هذا الرجال، إذ الفيت نفسي تائها طوال النهار بين الجبال، حيث اللاشيء سوى الحجارة والضباع والحمير والبغال.. أقسم لكم أن (الروفر القديمة) التي حملتني هناك، مكثت 4 ساعات لبلوغ معان، وثلاث ساعات أخرى وهي تتلكع للوصول الى ما وراء الجبال، حتى شعرت أنني خرجت من الأردن كلها وبلغت يثرب أو سلطنة عُمان، أما حين تركوني هناك وحدي أطارد، قلتُ لنفسي يا عمي مستحيل تكون هذه كوكب الأرض، أكيد هذي عطارد..
هنا لجأ والدي إلى طيّب الذكر، الدكتور أمين مشاقبة، ليتواسط لي وينقلني الى القاعدة الجوية في مدينة المفرق، فقررت أن أجعل لساني منضبطا ومنمق، وشرعتُ أمتدح كبار الشخصيات وضباط الجيش، بالقول أن فلانا ماشاء الله عليه مثل الحنيش، وفلاناً مشيته كمشية لقديش، وبالطبع، تزلفت الى مديري فوصفت سحنته بسحنة الضبع.. وآمر الكلية بالدب الشجع.. فيش سنة زمان حتى حاكموني، وبقلة الأدب إتهموني، و قالو لي يفضل لك أن "تنقلع" وبالفعل إنقلعت، ومن بلدي الى الغربة أقلعت.
كلكم يعلم قصة الشاعر الأعرابي علي بن الجهم، الذي قَدِم من الصحراء العربية الى قصر الخليفة العباسي المتوكل في بغداد، وأراد أن يمتدحه لينتش منه 50 دينار، بما يألفه صاحبنا من فناء الدار، فراح يصفه بأنه كلبٌ في الوفاء، وحرثونٌ بالدهاء، وبربيش مي في الرش والسخاء .. الخ، الى أن نهره أحد حاشية الخليفة من أصحاب الرعش حول العرش.. قائلا له.. ولك شو بتقول يا جحش؟؟؟
المتوكل قال "سيبوووه"، ثم أمر أن يأخذوه وينظفوه، وفي نهر دجله يغتوووه وبين الزهور والنساء يحطوووه.. ليعود بعد وقت قصيرٍ غير مبطي، قائلا قصيدته التي مطلعها:
عيونُ المها بينَ الرُصافةِ والجسرِ
جلبنَ الهوى من حيثُ أدري ولا أدري
أقسم لكم بجلال الملك القدوس، أن هذا ما حدثَ معي مطلع التسعينات لكن على نحوٍ معكوس.. فقد ألفيتُ نفسي رقيبا بالخدمات الطبية، وملحقاً بسلاح الجو في منطقة ماركا الشمالية، وبعد كل يوم دوام، أروح أتسكع في أجمل مناطق عمان، الثقافية والفنية، أمسيات، محاضرات، ندوات.. وما خليت مسارح الا تجدني فيها سارح، بدءا من دارة عمون الى مؤسسة عبدالحميد شومان، مرة أغوص بالأدب والرويات العالمية، ومرة أحلق مع الفلسفات المثالية، مرة أتلبد في مكتبة أبوعلي ومرة تجدني أتمدد في مكتبة البلدية.. ثم أعاود مساءً الى معسكري كي أبات، محملاً بشتى الصحف والكتب والمجلات، حيث أضعها هناك تحت السرير، وأتحدث بها مع كل زميلٍ ومدير، و بأرقى وأجمل العبارات، شارحاً لهم أخر الدرسات والنظريات والفرضيات، غير أن هذا الحال لم يرق لأيٍّ من المدراء والزملاء الذين راحو ينظرون إلي بنظرةٍ متشككة، وقالو لي والله يا ولد إنت شكلك وراك لوكه.. وسوالفك بتجيب الدَوَر .. وقصصك مثل طبيخ النّوَر، ثم إستأذنني صاحبي بكل أدب أن يبلّغَ عنّي مُديرو.. حتى تيجي منو ما تيجي من غيروو..
المهم، طلبني الى مكتبه العقيد الطبيب (م.ع) الله يرحمو إن كان متوفي، وينتقم من خشومو إن كان متبقي، وقال لي بصريح النص.. "انت وبعدين معك يا عرص؟"، قلت له (أرجوك يا سيدي إسمحلي بالحوار، ودعني أفهم منك بالزبط شو صار؟) فقال لي بإختصار أن إضبارتي الأمنية صارت من الضخامة بحيث ينوء بحملها الحمار.. وأنه لا طاقة له بالصبر علي أو حتى الإنتظار، فأمر جنوده أن يحملوني أنا ويطقي وشجوني.. وفي جبال النقب يرموني.. ثم أقسم لي أغلظ يمين، أن أعود من منفاي بعد 6 شهورٍ لا أميز بين اليسار و اليمين..
وفعلا صدق هذا الرجال، إذ الفيت نفسي تائها طوال النهار بين الجبال، حيث اللاشيء سوى الحجارة والضباع والحمير والبغال.. أقسم لكم أن (الروفر القديمة) التي حملتني هناك، مكثت 4 ساعات لبلوغ معان، وثلاث ساعات أخرى وهي تتلكع للوصول الى ما وراء الجبال، حتى شعرت أنني خرجت من الأردن كلها وبلغت يثرب أو سلطنة عُمان، أما حين تركوني هناك وحدي أطارد، قلتُ لنفسي يا عمي مستحيل تكون هذه كوكب الأرض، أكيد هذي عطارد..
هنا لجأ والدي إلى طيّب الذكر، الدكتور أمين مشاقبة، ليتواسط لي وينقلني الى القاعدة الجوية في مدينة المفرق، فقررت أن أجعل لساني منضبطا ومنمق، وشرعتُ أمتدح كبار الشخصيات وضباط الجيش، بالقول أن فلانا ماشاء الله عليه مثل الحنيش، وفلاناً مشيته كمشية لقديش، وبالطبع، تزلفت الى مديري فوصفت سحنته بسحنة الضبع.. وآمر الكلية بالدب الشجع.. فيش سنة زمان حتى حاكموني، وبقلة الأدب إتهموني، و قالو لي يفضل لك أن "تنقلع" وبالفعل إنقلعت، ومن بلدي الى الغربة أقلعت.