اكرم عطا الله
ببساطة شديدة يمكن لمواطنين فلسطينيين من رام الله وغزة يخرجان في اّن واحد أن الاول يسافر للولايات المتحدة الأميركية ويصل واشنطن فيما الآخر من غزة لا يكون قد وصل الى القاهرة هذا اذا ما فتح معبر رفح كيف ولماذا؟ لأن سكان قطاع غزة منذورون للعذاب الى يوم الدين ولأنه كتب عليهم كما لم يكتب على الذين من قبلهم من معاناة تتجسد في كل شيء ليس فقط في الحياة والكهرباء والاعتقالات بل وأيضاً في السفر اذا ما لعب الحظ مع أحدهم وتمكن من اجتياز بوابة السجن الكبير.
قديماً في عصر السفر بالخيول كنا نسمع عن رحلة بين مدينتين تستمر ليوم كامل ها نحن عدنا الى ذلك العصر فمن القاهرة حتى رفح المصرية قد تستمر يوماً كاملاً وفي هذا البرد الصحراوي لمسافرين من الحالات الانسانية أي مرضى وأطفال تكون المسألة عصية على الفهم مع تفهم واقع سيناء الأمني الا أن اجراءات الحواجز المصرية التي تنزع انسانية المسافرين هي عملية تعذيب قاسية على الدولة المصرية أن تبحث عن حل لها.
في طريق عودتي الأخيرة كنت شاهداً على عملية التعذيب تلك وخصوصاً على حاجز أو كمين الريسة حيث طوابير السيارات الطويل جداً وعملية تفتيش الحقائب البطيئة ونثرها على الأرض ومصادرة أشياء كثيرة على مزاج الجندي الذي يقوم بالعملية لدرجة أنه صادر سجائري الشخصية وقد حاولت اقناعه عبثاً بأن هذا مسموح قانونياً لكن لا مجال للنقاش الذي يسمح الضابط لنفسه بالصراخ قائلاً "مفيش كلام أعيده للقاهرة" فلا يملك الناس الا أن يتركوا أشيائهم سجائرهم وعطورهم وغيرها لأن العودة للقاهرة بالنسبة للذي قطع كل هذه المسافة الملغمة بالحواجز تبدو أشبه بكابوس، وأن يتم التفتيش على خمسة حواجز مثلاً فهذا ليس أمن.
هل تعرف الدولة المصرية ما يحدث على الحواجز المنتشرة في سيناء؟ هل تعرف الدولة التي وعدت بتسهيل اجراءات السفر للمواطنين في غزة بأن الفلسطيني لا زال يمضي ساعات طويلة في الصالة المصرية بانتظار استلام جواز سفره وأن الكثير يبيتون في الصالة لليوم التالي حيث لا أماكن للنوم ولا أغطية؟ هل تعرف الدولة المصرية أن الرحلة من رفح الى القاهرة هي عبارة عن حفلة من الآلام؟ وهل تعرف أن جنودها يصادرون من هؤلاء الفقراء حاجياتهم وهدايا أحبائهم التي اقتطعوا ثمنها من لحمهم الحي؟
لم يصدف حتى اللحظة أن حقيبة مسافر فلسطيني احتوت على ما يضر بالأمن المصري والأهم من ذلك أن الحقائب سيتم تفتيشها بدقة شديدة في المعبر نفسه فالأشياء الممنوعة لها طرقها في التهريب ولا يبدو التبرير بأن هذه الحواجز تساوي بين الفلسطيني والمصري انتظاراً وتفتيشاً لأن المسافر الفلسطيني الذي لم ينم منذ ليلة أمس لا يستطيع الانتظار على حاجز لخمس أو ست ساعات دون ذنب فليكن هناك طابور خاص بالمسافرين.
هي رسالة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من هؤلاء الذين تقطعت بهم السبل وألقوا في عراء السياسة بعد انكشاف ظهرهم واكتشاف يتمهم من أب سياسي يحمل همومهم فكل المسئولين السياسيين لدينا مشغولون بالصراعات وتصفية الحسابات لصالح الحكم ولو على جثة المواطن، وتلك هي مأساتنا بالدرجة الأولى بأن هناك ملايين من البشر سقطوا بين أقدام المتصارعين على السلطة وجائعيها فالمسئول لدينا لا يتحرك ولا يحرك قواته الا اذا تعرض للنقد أو الهجوم لأن ذلك يهدد عرشه أما دون ذلك لا يعنيه حتى لو مات نصف الشعب.
قال صديقي ذات مرة هبطنا في مطار القاهرة الدولي مر جميع المسافرين إلا أنا ورجل سوداني تم حجزنا، صرخ بوجهنا الضابط المصري فأوقفه السوداني قائلاً: "لا ترفع صوتك أنا سوداني ولي رئيس اسمه عمر البشير" قال صديقي ماذا أقول له أنا؟ هل أقول أنا فلسطيني ولي رئيس اسمه أبو مازن ؟ أم يحكمني زعيم اسمه اسماعيل هنية؟ يا لخيبتنا! احترام المواطن هي مسئولية القائد وعندما تسحق كرامة المواطن فتلك مسئولية من نصب نفسه قائداً وزعيماً أما أن يستمر هذا العذاب ونحن لم نتوقف عن احصاء طوابير من الزعماء ومؤتمرات وشعارات فتلك مدعاة للسخرية والحزن في آن واحد.
معبر رفح يجب أن يوفر ممراً انسانياً آمناً لهؤلاء الذين سقطوا بين المتدافعين، يجب أن يفتح بشكل متقارب كما وعدت مصر فالأزمة بين الفلسطينيين ستطول فلا مصالحة قريبة ولا عودة للسلطة لاستلام المعبر ولا حماس مستعدة لتركه ويجب ألا يخضع الفلسطيني البسيط لتلك المعادلة المعقدة، هو بحاجة الى من ينقذه ومصر هي الطرف المؤهل لذلك الآن، أن تنفذ كل وعوداتها السابقة وأن تسهل اجراءات السفر فليس من المفهوم أن ينام فلسطيني على معبر أو على حاجز في القرن الحادي والعشرون.
أثناء كتابة هذا المقال وصلتني دعوة من مؤسسة في الضفة الغربية لحضور ورشة في جنوب أفريقيا في شهر مارس اعتذرت لصديقي بسرعة قائلا لن أمر على حاجز الريسة مرة أخرى فقد توقفت عن السفر بتلك الطريقة بعد أخر مرة كفى .
ما يحدث ليس في صالح مصر وحضورها في غزة لأن الروايات التي تتداولها وسائل التواصل الاجتماعي تنال من سمعة مصر التي دفعت ثمن الدم من أجل هذا الحضور لا يجب أن تلغيه على حاجز أو صالة أم معبر مغلق أو مزاج ضابط على حاجز فالدول تقاتل من أجل سمعتها ولا تفرط بها ببساطة …خسارة..!!!