ماذا أراد محمود عباس من لقاء بيروت- منير شفيق
الجمعة، 20 كانون الثاني/يناير 2017 10:02 م
طبعا ليس من المستحب كتابة ما قد يحبط تفاؤل الذين التقوا في بيروت من ممثلي الفصائل الفلسطينية وبعض الشخصيات المستقلة، من أجل التحضير لعقد مجلس وطني جديد، أو قديم-جديد. وقد شاركت في اللقاء حركتا حماس والجهاد، فضلا عن مشاركة أغلب الفصائل والشخصيات التي عارضت اتفاق أوسلو وقاطعت "مجلس" 1996.
وطبعا سيكون محبطا أيضا إذا قيل أن التحضير لتشكيل المجلس الوطني الجديد كان يجب أن يسبقه تحضير حول الميثاق والأهداف والاستراتيجية والسياسات التي يُفترض أن تكون أساس التوافق على تشكيل لجنة تحضر للمجلس الوطني. وهو ما لم يحدث لأن محمود عباس ليس في وارد تشكيل مجلس وطني جديد في هذه المرحلة، فضلا عن عدم استطاعته الاقتراب من الحوار مع الفصائل حول الميثاق أو الأهداف والاستراتيجية والسياسات.
فهو لا يقبل من أحد أن يناقشه في ما يَتبنى من سياسات وممارسة. وهو يَعلم أن الأغلبية الساحقة تُخالفه. وهذا واضح مما تُعلنه من سياسات كل من حماس والجهاد والجبهتان الشعبية والديمقراطية، والقيادة العامة، والصاعقة، وحتى داخل فتح نفسها بالرغم من أنف المؤتمر السابع الملفق.
على أن الإحباط سيأتي من الإجابة عن السؤال: لماذا سعى محمود عباس لهذا اللقاء؟ ولماذا دعا له اليوم بعد أن ترك المجلس الوطني على الرف ليتراكم فوقه الغبار عقودا، أو سنين عددا ذهبت بددا؟ الإجابة عن هذا السؤال الذي يفرض نفسه، ستأتي محبِطة جدا: فمعذرة من الذين قبلوا الدعوة لهذا اللقاء وشاركوا فيه. لأن ما يريده عباس منه غير ما يريدونه هم. صحيح أن المسألة هنا تتسّم بنوع من صراع إرادات. ولكن ما سيطبق عمليا من نتائج اللقاء فبِيَد محمود عباس لأنه يمسك برسن الفرس وليسوا هم.
من يتابع ما ابتغاه محمود عباس من المؤتمر السابع لحركة فتح الذي عقد قبل أسابيع من لقاء اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني في بيروت يستطيع أن يتأكد مما يبتغيه من لقاء اللجنة التحضيرية، ولا سيما في بيروت، وبحضور الجهاد وحماس والمعارضة الفلسطينية في سورية. فالرجل هو نفسه في الحالتين والظرف هو نفسه في الحالين.
يُواجه محمود عباس ضغوطا من الرباعية العربية المشكّلة من مصر والسعودية والأردن والإمارات تطالبه بإعادة محمد دحلان إلى مواقع القيادة في فتح تمهيدا ليخلف محمود عباس، أو يكون الرجل الأقوى وراء من سيخلفه. الأمر الذي رفضه محمود عباس رفضا قاطعا. كما لو أنه يواجه خيارا بين "الحياة والموت".
علما أنه لا خلاف في السياسة بينهما، عدا أن يذهب محمد دحلان في خط التنازلات أكثر مما فعله محمود عباس. وذلك سواء أكان في التنسيق الأمني أم في الحسم ضدّ حماس والجهاد في قطاع غزة (أي إنهاء وضع المقاومة المسلحة). أما الخلاف المُعلن من قبلهما كما عبّر عنه كلاهما، فدار حول اتهام كل منهما الآخر بما اقترفه من فساد مالي. وقد توعّد محمد دحلان محمود عباس وذويه بالحساب العسير، فيما نفذ محمود عباس ضدّ محمد دحلان حسابا عسيرا حتى الآن.
ولكن أن تكون هذه الرباعية طرفا في مصلحة محمد دحلان فهذا يعني، لو كنا في زمن غير هذا الزمان، نهاية محمود عباس وذويه قطعا، وبلا قدرة على المواجهة. فقد كانت مصر، في الماضي، على سبيل المثال، تستطيع بالهاتف، أن تُنهي "حكومة عموم فلسطين"، أو تُرسل الحاج أمين الحسيني زعيم فلسطين إلى المنفى في لبنان، أو تُقيل الشقيري بعد أن عيّنته رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو تأتي بياسر عرفات، أو ترفع الغطاء عنه وهو تحت الحصار في رام الله لكي يستشهد مسموما على يد شارون (وبموافقة "عربية" أوروبية- أمريكية)، وهي التي كانت وراء رئاسة محمود عباس كذلك.
أما المعادلة العربية والإقليمية والدولية الراهنة (هذا الزمان) فقد سمحت لمحمود عباس أن يتجرّأ على مصر ويتحدّاها، ليس مصر وحدها وإنما الرباعية مجتمعة أيضا. فيعقد المؤتمر السابع لفتح ويتحكم به كأنه خاتم في أصبعه، مؤكدا "شرعيته" لرئاسة فتح، لتكون الرسالة، أو الردّ على ضغوط مصر والرباعية.
طبعا هذا ما كان ليحدث مطلقا لولا ما حلّ بمصر والدولة العربية القطرية من ضعف، وما حلّ بموازين القوى العالمية والإقليمية من فوضى وسيولة وشقوق وفراغات تسمح حتى لضعفاء أو مهمشين أن يخترقوها.
المهم أن محمود عباس بعد نجاحه في حيازة "شرعية" جديدة من خلال فتح عبر مؤتمرها السابع، المفبرك، والمفصّل على قياسه، تجرّأ على أن ينتقل لتأكيد "شرعية" فلسطينية أوسع من خلال لقاء بيروت، الذي يجمع كل الفصائل الفلسطينية تقريبا. وذلك بالاعتماد على المظهر العام، ولو شكليا، ولو رمزيا، ولو احتياليا، وحتى لو لم يكن هدف اللقاء إعطاءه الشرعية، ولا هدف أغلب المشاركين فيه. وذلك ليقول، من خلاله، لمصر والرباعية ولكل من يهمه الأمر: "لقد جئت بهم جميعا" واتفقنا على التحضير للمجلس الوطني فأنا الرئيس الشرعي. وقد عهدوا إلي بإجماع بتشكيل الحكومة الوطنية.
هذا ما ابتغاه محمود عباس من اللقاء، وليس التحضير لمجلس وطني.
أما أن يواصل تنفيذ توصيات البيان الختامي من ناحية السعي الجديّ لعقد لقاءات دورية للجنة التحضيرية إلى أن يتحقق هدف تشكيل المجلس الوطني وعقده فسيكون ذلك آخر همومه. أما ما يمكن أن ينفذه فهو عدم تطرق البيان الختامي لوقف التنسيق الأمني إذ سيستمر في تنفيذه بهمّة عالية. وكذلك بالنسبة إلى عدم تطرق البيان لانتفاضة القدس إذ سيمضي محمود عباس بعزيمة أشد في مناهضتها.
وبكلمة، أغلب من حضروا لقاء بيروت في واد ومحمود عباس في واد آخر. فما أراده من اللقاء غير ما أرادوه. وإذا وجد نفسه في المستقبل مضطرا ليعقد مجلسا وطنيا، كما حدث عام 1996، فلن يدعو هذه اللجنة التحضيرية لتقوم بالمهمة، فعنده تجربة المجلس الوطني الذي ألغى عام 1996 البنود الأساسية التي قام عليها الميثاق الوطني، وعنده المنهجية التي جمع فيها مؤتمر فتح السابع. هذا عند الحاجة القصوى.. وإلاّ فعنده تجربة السير عشرات السنين بلا مجلس وطني وهي الطريقة الفضلى.