كتب الدكتور أحمد يوسف في مقاله : دحلان كان نجماً هذا الأسبوع في الإعلام، وكانت أحاديثه ذات مذاق وطني أفضل..
بصراحة كان دحلان يأتي على ألسنة الكثيرين في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد مؤتمر عين السخنة وفتح المعبر والتسهيلات لسفر الطلاب، وزوجته السيدة جليلية كانت هي الأخرى في عمق المشهد الإنساني والإغاثي في قطاع غزة..
نعم؛ السياسة ليس غريباً عليها ذلك، وهي فعلاً كذلك لمن خبرها وتعاطي مع مفاهيمها، وتقلباتها قد تفاجئك بكل مستهجن أو غريب إذا لم تكن من روادها.
في السابق، أن يجري قلم البعض على ذكر النائب محمد دحلان في أي سياق غير التشكيك والاتهام، فإن ذلك قد يسبب إزعاجاً لصاحبه، أما اليوم فسنسمع عن دحلان في إطار المواقف السياسية والمشاريع الإغاثية، وتقديم الأفكار والحلول لمشاكل قطاع غزة.
آمل ألا يتوتر إخواني وأصدقائي من مثل هذا الكلام، وعليهم أن يتذكروا جملة واحدة وهي أن "السياسة مصالح،" وهي قابلة للتبدل مع الاحتفاظ بالأبعاد القيمية والأخلاقية كسياج لما ندعو له من مبادىء.
كما قلنا سابقاً، فإن دحلان لن يغيب عن المشهد السياسي، ومن يصطفون حوله من الشباب يتزايدون بشكل ملفتٍ للنظر، وهم أكثر عدد وعدة داخل تنظيم حركة فتح في قطاع غزة، ومع استمرار حالة التجاهل الذي يتعرض له التنظيم أو عجز قادته التاريخيين، وغياب المراجعات، سينتهي الأمر إلى الجيل الأكثر شباباً أمثال محمد دحلان وسميرالمشهراوي وآخرين، حيث أظهر هؤلاء حيوية ومتابعة في التواصل مع هؤلاء الكوادر من الفئات العمرين بين العشرين والثلاثين، والقيام تغطية الحد الأدني من احتياجاتهم المعيشية.
لا شك أن خلفية المخيم لكل من دحلان وسمير جعلت منهما الأقرب لمشاعر الشباب وأحاسيسهم في قطاع غزة، وربما كذلك داخل مخيمات الضفة الغربية وأماكن الشتات في دول الجوار، وهو ما يعكس هذا الالتفاف الواسع حولهم بين الشباب.
قد يكون دحلان حتى اللحظة ولاعتبارات تاريخية يصعب على البعض "تجمطه" والقبول به، وهذه مسألة نتفهمها والزمن والمواقف جزء من العلاج، فالرجل يتحسن من حيث أداء خطابه تجاه حركة حماس والوضع في غزة يوماً بعد يوم، وهذا ما لمسناه في الآونة الأخيرة، من خلال الانفراجة المريحة نوعاً ما على معبر رفح، وشيء من التحسن في المعاملة داخله.
لقد كان دحلان والمشهراوي وآخرون من داخل هذا التيار (الإصلاحي) في منتهى الذكاء عندما تلقفوا مبادرة الأخ رمضان شلح في مهرجان الانطلاقة لحركة الجهاد الإسلامي، وبنوا عليها كلاماً جميلاً يصلح أرضية للقاء عليه في بعض جوانبه.
الواضح أن دحلان أصبح يلعب السياسة بطريقة أفضل من السابق، ويحاول أن يكسب ودّ الجميع داخل فصائل العمل الوطني والإسلامي، وذلك بعد أن أخفقت أو تعثرت كل الجهود العربية في الإصلاح بينه وبين الرئيس أبو مازن، بأمل توحيد حركة فتح.
كما قلنا إن السياسة حمالة أوجه، وفيها الكثير من الاعتبارات والحيل، وتحتاج لمن يلعب بالبيضة والحجر، وهي عالم لا يقدر على العيش فيه أو ولوج حلباته الطهابيب من البشر، ورحم الله عمر بن الخطاب حين قال: "لستُ خبَّاً ولا الخبُّ يخدعني".
إن من يتعاطى السياسة يترك الباب دائماً مفتوحاً (بشكل موارب)؛ لأنه قد يحتاج إليه في لحظة خاطفة للنجاة.
إن الشهور القادمة ستشهد حضوراً أوسع لأنشطة دحلان وجليلة، ولن يشكل هذا صدمة للكثيرين؛ لأن كل خياراتنا هي في اتجاه التفريج عن معاناة شعبنا، فأهلاً لكل من بيده تقديم الدعم والمساعدة لأهلنا في القطاع، وشكراً لكل من يسعى لإصلاح العلاقة مع إخواننا في جمهورية مصر العربية، بهدف وقف التوتر وتسهيل حركة المسافرين على معبر رفح من طلاب ومرضى وعاملين.
باختصار: علينا أن نفهم بأن عدونا الحقيقي هو إسرائيل، وأن معركتنا الحقيقية هي مع الاحتلال، أما الآخرون في ساحتنا الفلسطينية فهم مجرد خصوم ومنافسين، علينا العمل للتعايش معهم ضمن توافقات وهموم وتفاهمات القاسم المشترك.
المصدر : مكتب الدكتور أحمد يوسف