دفعت الظروف الصعبة عدداً من الشباب للمخاطرة بحياتهم وصحتهم في سبيل لقمة العيش التي أضحت صعبة المنال، بهذه العبارة عبر الشاب محمود عبيد (19 عامًا) عن واقع الشباب في مهنة جمع النحاس التي أصبحت مهنة مغمسة بالدم.
" دنيا الوطن" تسلط الضوء على مهنة جمع النحاس وحرقه ثم بيعه التي يعتمد عليها عدد كبير من الشباب والأطفال.
تحمل المخاطر
ويتابع عبيد أنتقل من حاكورة لأخرى لأجل جمع قطع النحاس وأضعها في كيس كبير، وبعد عدة أيام أكون قد جمعت كمية كبيرة منه ثم أحرقها في أحدى الأراضي، وبعدها أذهب لبيعها لأحدى المحلات في السوق، وعن سبب حرقه فيوضح عبيد قائلاً: "عندما أقوم بحرق النحاس فإن وزنها يزداد قليلاً".
وأردف عبيد قائلاً: أنا بحاجة إلى كل شيكل في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي أعاني منها، ويضيف رغم أن العمل في مهنة جمع النحاس ليس بالهين وله مخاطر كبيرة، أولها: الأمراض التي قد أصيب بها وخاصة عند عملية حرق النحاس، مشيراً إلى أن لقمة العيش تحتاج إلى تعب وعناء خاصة أنه لا يوجد أحد يهتم بأحد في هذا الزمن الغريب.
راحة نفسية
أما محمود اللوح الذي لا يترك مكاناً إلا ويبحث عنه لجمع النحاس فيقول لــ "دنيا الوطن": أبحث في كل مكان وأرفض العودة إلى البيت إلا عندما أجمع ثماني كيلوجرامات على الأقل، حتى أستطيع توفير مصروفي اليومي دون حاجتي لأحد، خاصة في هذا الوقت المذل الذي تخلى فيه الأخ عن أخيه، مؤكداً أنه يبيع كيلو النحاس بخمسة شواكل.
ويستدرك اللوح بالقول: أبيع لأحد المحلات في شارع الوحدة وسط مدينة غزة، ويكمل والفرحة ترتسم على نبرات وجهه عندما أبيع النحاس وأتقاضى ثمنه أشعر بحالة من الراحة والانتعاش فيزول الغم والتعب الذي عانيته طول اليوم في جمعه، ويبين أن الحياة بالنسبة له تحمل الألم والقسوة في بداية يومه بجمع النحاس ويختمه بالفرحة عندما يضع الفلوس في جيبه بعد بيعها.
نصف شيكل
في حين أوضح منصور غنيم، أنه يتنقل بين الأحياء السكنية عبر كارته التي تجرها دابة وينادي بأعلى صوته عبر مكبر الصوت (نحاس ألمنيوم للبيع...) فيجد العديد من الأطفال يندفعون إليه لبيع بعض الخردة من نحاس وألمنيوم فيشتريها بنصف شيكل ويواصل غنيم حديثه لــ "دنيا الوطن" أعاني كثيراً وأنا أبحث عن أنصاف الشواكل من هنا وهناك، وإذا لم أفعل هكذا أخسر.
وأشار غنيم إلى أن بعض الناس ينظرون باستحقار تجاهي ولكني لا أبالي لأن الله يحب الإنسان الذي يعمل ليوفر قوت أطفاله بالحلال، ويتوعد من يسخر من الناس، وأفاد أنه يبيع الكيلو بستة شواكل وهو سعر مقبول نوعاً ما حيث أقوم بتجميع الكمية في البيت وفي نهاية يوم الخميس أبيعها لأحد التجار الكبار بالسوق.
ظاهرة منتشرة
وفي ذات السياق، يقول معين العشي أحد التجار الذين يشترون النحاس أن مئات الأطفال والشباب يقبلون على محله بشكل يومي لبيع النحاس ويضيف في كل يوم تزداد قناعتي أن كل شخص لم يجد له عمل -خاصة إذا كان غير متعلم- يجمع النحاس ويحضر لي لأشتريه منه، لافتاً إلى أن مهنة البحث على النحاس أصبحت ظاهرة منتشرة بكثافة، وخاصة خلال الخمس سنوات الماضية.
ويواصل العشي حديثه لــ " دنيا الوطن" قائلاً: أشتري كيلو النحاسالمحروق بخمسة شواكل وغير المحروق بشيكل واحد، مشيراً إلى أن الفرق بينهما أنه عندما أبيعها للتجار الكبار يفضلونها بأن تكون محروق ولا يقبل – في بعض الأحيان- غير المحروق لأنه في النهاية يقوم بضغطها حتى يلتصق بعضها ببعض.
وعند سؤاله ماذا يصنع بعدها بالنحاس قال العشي: يذهب النحاس إلى دولة الاحتلال، لإعادة تصنيعه لأن الإمكانيات بمختلف أنواعها متوفرة لديهم، مضيفاً أنه عندما يتمكن الشاب من تحصيل مصروفه اليومي من خلال جمع النحاس، أفضل بكثير من الجلوس بدون عمل، وهذا ما قاله العديد من الشباب.
منقول دنيا الوطن