📁 آخر الأخبار

ابوك ثم ابوك ثم ابوك

الان فهمتك يا أبي..
ليرحم الله روحك يا أبى، رغم كل نهفاتك، بس للأسف بعد وفاتك، عرفت وفهمت ليش هيك كنت تسوي فينا..اسامحك من كل قلبي "الصعلوك"، فهل تسامحني انت ارجوك..؟
كيف لي ان انسى مواقفك النبيلة، يا اكرم وأبهج أب رأيته في الديرة..إنسى انك تركتنا عالحديدة.. وحتى وانت موجود يا عاشق القدود.. وانا اشتغل كلشي من رفع الاسمنت لصب العمود، الى بيع الجريدة و العلوك.. صدقني يا ابي مش مهم مكابدتي وعودتي كل مساء بحيلي المهدود..فلأجل ذلك اضطررت لمعرفة قيمة الحياة ومنحتني القدرة على العيش حتى مع القرود، بينما لو تركت لنا الاطيان والاموال وهو (مش غلط كان)..بس لربما اصبحت اليوم كالأعور بين العميان..
سامحني يابا لأنني كنت اغضب منك حين لا تصغي لأمي و لا تأخذ كلامها ومعاناتها على محمل الجد..اذكر انها شكت لك يوما انها تسمع اصوات غريبة في البيت وترى الابواب تتخابط لحالها..وتقولك قوم يا زلمه دورلنا على دار غير هالدار الخربانه والمسكونه..وانت تقول (مين ساكن معنا وليش ما يدفعو اجار؟؟).. الله يسامحك قد ما كنت تحب المسخرة و الهزار.
و لشد ما تضايقت منك يابا لمن كنت تضلك اتدور علي عشان اساعدك بالشغل وتلقاني 24/7 ساعة معتكف بهالجامع..وشكلي دايخ مثل الي بنازع.. وقلتلي يومها اذا بشوفك مره ثانية لابد بهالجامع بدي ارفش في بطنك رفش..ايامها قلت بعقلي شو هالكافر الأشر..بس اليوم فهمت المخاوف التي تنطوي عليها ترك شاب مراهق لحالو بجوامعنا (الله يصلحها) الي بتلم اشكال والوان من متطرفين ومتربصين بالغلمان..لم تكن ضد الصلاة يا أبي ولكن كنت ضد التشدد و تحب الاعتدال.
انا ما بنسى رقة قلبك لمن جارنا تبع المطعم الي بقطعش فرض.. كب عباب محلو سطل مي بتغلا غلي واجت على راس بسه منكودة كانت لابده بهالزاوية وهو ولا فارقة معو..و رحت انت شريتلها حليب و(علبة طون) وصرت تطعم فيها يا حنون، وانا جنبك اتلمظ نفسي بعلبة الطون وخايف احكيلك لا تسلخني بقفى ايدك..كنت شديد علينا احيانا..بس مع لبساس فش ارحم منك..الله يآجرك ويرحمك، ويحشرك مع أبو هريرة.
و يوم ما عرضو عليك تشتريلنا دار تظبنا ب 300 دينار وكانو بجيبتك، جبتهم معك من السعودية بعد غياب 3 سنوات ما شالله عليك..وانت اصريت تشتري فيهم (فيديو) بدل الدار..حتى تشوف كل افلام حبيبك الاوحد ملك الاوتار.. فريد الاطرش..يومها نقمت عليك..والان فهمت انها (الدور بتدور ) وبتروح وبتيجي..بس ما زلت اتقن وحدي معزوفة الربيع واول همسة ويعجز عن عزفها عشرات العازفين الذين تربو في القصور، وتمكنت من عزف كل الالات الموسيقية بفضلك..من الناي الى العود فالكمنجة والطنبور.
يابا شو بدي اياك تسامحني عن شو ولا عن شو..كنت تشرد من نق الوالده التي تطالبك دوما بالعمل والتقوى والاتقان.. وتلبد تحت اغصان الاشجار تحتسي الشاي والدخان..لانك كنت صاحب تأمل وفكر وعشق وهيام..والله يابا انا مثلك الان ..والشيرش جبدني من راسي حتى السيقان..وبس اسمع اي كلمة (نق) بشرد من المكان..صدقني انني اصبحت اكثر منك كرها للزن والون وخبطات البوز..حتى انني كرهت بعض اغاني فيروز، لإنها بدأت تتراءى لي ان بها زن و ون وكلام ملغوز (شو نسيت المواعيد..وهدية العيد..اسألني شو بني بأول هالسنه..) بتنوق يا عمي..واضحة.
كنت يا ابي رحمك الله تحب الطراوة اكثر من عيونك..وانا اقول ليش ما عندي ابو راكز وتقي ومستقيم زي كل هالأبهات..لغاية ما خشيت اكثر في تلك العائلات "الراكزة" واكتشفت قديش منكدين على ولادهم حياتهم، وبعض الاباء لقوة شخصيته لم يترك لابنائه شخصية اصلا.
سامحني يا ابي..لانني خجلت من مهنتك يوما كمعلم بناء (طوبرجي) حين سأل معلم الصف كل طالب فينا عن مهنة ابوه.. اشي يقول طيار واشي يقول دكتور..فاضطررت ان اقول (معلم) وكفى، حتى يظنوك معلم مدرسه..ولعمري ان شقاءك تحت الشمس وفوق السقالة لهو اشرف الف مرة من معلمين كثر كانو يقضوها بالصف نايمين، او يستخدمونا كمراسلين..و..
حتى يابا لمن المدرسة دعت اولياء الامور للحضور.. وكلهم اشي جاي بسيارتو..واشي جايبو سايقو الخاص، واشي جاي ببدلتو العسكرية..وانت هليت عمدرستي في بسكليتك، لأ وكنت تزمر كمان..وانا لا املك الا ان اقول (خذلك). صدقني انا ما انحرجت يومها يابا من زامورك، قد ما نحرجت من عصقيلك، انكشفن من تحت دشداشتك تقول جاي تشارك بمرثون، لكن بعد 30 عام لمن رحت انا للسويد عرفت يابا درجة غبائي يوم رأيت وزراء وقضاة ووجهاء القوم لديهم يذهبون الى اعمالهم عالبسكليت..(بس طبعا بدون تزمير).. آآخ كم كنت سابق عصرك يا أمير.
وكلو كوم يابا..ولمن اخذتك معي بجاهتي للزواج ، وانت مسكين بحياتك ما حاضر جاهات ولا عزوات او غزوات..لا الومك 30سنة وانت مكوع على هالمخدة وتلعب الشدة..وحقك فاليوم انا ايضا ادمنت لعبة الهند التي علمتني عليها طفلا حين كنت تعطيني مصروفي من هون وتسترده مني في لعب الورق من هون..المهم يومها تذكر يابا لمن شريتلك من الزرقا هالعباي الفخمة والثوب والشبشب ولعقال والمسبحة..وقعدتك بوسط هالناس ونسايبي وانت اول كلمة قلتها (اين العريس؟) وانا جنبك ميت خجل واهمسلك بذانك يابا انت كبير الجاهة مش المأذون، الله يخليك تركز معنا هووون..والحمدلله مشت الامور بصعوبة..بس ما مر علي بحياتي انو اهل العروس يقولو المتأخر 5 الالف وانت تنط وتقول لا والله غير 10 تالاف..(طبعا مش دافع من جيبتك تعريفه).. عادي ولا يهمك يابا كنت حاب انت تظهر وتعرط بمظر الغني، و اكيد انت فكرتو مزاد علني..فداك يابا كل المصاري..بس بحب اقلك انو بعد موتك تطلقنا ودفعت العشرة الالف والله كاملات على داير ملين.
اليوم لا يسعني الا ان ارثيك بهذه القصيدة التي استغرق تأليفها 10 سنوات وساهم معي في تأليفها لفيف من الاصدقاء الشعراء..اهديها لك من اعماق قلبي لذكراك علها تخلد سيرتك العطرة في البراء:
ابوك،ثم ابوك، ثم ابوك..
هو من جاب الارض وهادا
من نابلس الى تبوك
هو من شق طريق الشوك
من الأجفور الى كركوك
هو من شاب لتربو أنت
وينمو اخوك
فإذا الجنة 
تحت القدم لأمك كانت
فقرب العرش
يكون ابوك..
(ابنك الداعي للطوبة تحت رأسك بالبشبشة والطراوة)


--
بأبي أنت وأمي يا رسول الله
أهلا وسهلا بكم في إدارة شبكة فلسطين المعلوماتية