📁 آخر الأخبار

رواية العنقاء كاملة : الجزء الرابع: رواية تاريخية تحدثت عن إنتصار المقاومة في غزة ما بين فترة الحكم العثماني و الاحتلال الفرنسي

رواية العنقاء كاملة : الجزء الرابع :  رواية تاريخية تحدثت عن إنتصار المقاومة في غزة ما بين فترة الحكم العثماني و الاحتلال الفرنسي. للكاتب عبد الكريم السبعاوي في 1942  المولود في حارة التفاح بمدينة غزة لأسرة فقيرة لكنها حفية بالعلم والثقافة
----------------

راجت قصص كثيرة حول يونس .. قيل أنه جاء هاربا" بدمه من دولب الثارات الذي
ظل يحصد قبيلته كابرا" عن كابر .. كانوا موتورين للقبائل المجاورة فل يكاد الطلب عليهم
ينتهي .. وقد توحدت عليهم القبائل حتى كادت تفنيهم عن بكرة أبيهم .
وقيل بل هو فاتك من فتاك الصحراء.. جمع حوله نفرا" من الصعاليك.. وظل يغير على
القبائل .. يثير الفتن بين قبيلته ومن والها .. حتى خلعه أبوه ونفته القبيلة .
وقيل بل طلب ثأر أبيه المقتول ظلما" .. تسلل ذات ليلة إلى مضارب أعدائه وذبح قاتل أبيه من
الوريد إلى الوريد .. واقتاد كل ما تملكه القبيلة من البل .. وكان ذلك أصل ثروته .. وقيل
وقيل .. وقد وصلت إلى الباشا في الدبوية كل شارده ووارده فطلب مشايخ الحارات ليستطلع
منهم جلية المر . 
كان أول الواصلين إلى الدبوية شيخ حارة المشاهرة أكثر المشايخ حماقة .. دخل على
المتصرف وهو يلهث من كثرة ما ركض .. وقد حسب المسكين أن الباشا استدعاه ليحاسبه
على الطوشة التي وقعت أمس.. فبادره بالشكوى .
- مظاليم يا باشا .. وال العظيم مظاليم .
بسرعة البرق أدرك درويش باشا أن وراء الكمة ما وراءها .. وأن الفرصة قد
سنحت لحتلب نقود الشيخ البله .
- كيف مظاليم يا حسنات .. بتعلموا العملة اللي بتخرب دول وبتقولوا مظاليم .
- أولد يا باشا .. أولد جهال .. على رأى المثل بيعملوها الصغار بيقعوا فيها الكبار .
- بل صغار بل بطيخ .. أنت مسئول عن كل الطابق يا حسنات .. وأشار للحراس :
- أولن.. حطوا شيخ المشاهرة في السجن لغاية ما يطيع ال والسلطان .
- في عرضك يا باشا .. اسمع القصة واللي بتحكم فيه على رأسي .
- هات لنشوف .
- أولد عبد ربو قابلوا ناطور قرقش في الطريق .. أخذوا منه قدرة عدس وأربعة أرغفة ..
الجوع كافر يا باشا .
- كمان فيها قطع طريق .. اسمع يا حسنات .. لزم أهل الحارة يدفعوا غرامة ألف قرش
وإل كل أهل الحارة يروحوا في حديد .
- أمرك يا باش أمرك .. ما يكون خاطرك إل راضي .
قال حسنات في سره :
- خرب بيت الحارة لولد الولد .
بعد أن اطمأن الباشا على اللف قرش أمر بإدخال باقي المشايخ .
سلم الجميع على المتصرف واتخذوا مجلسهم حوله .. وصل شيخ المشايخ متأخرا" ..
صافح الجميع .. عندما وصل إلى شيخ التفاح مد يده .. شيخ حارة التفاح تجاهل اليد
الممدودة .. وتشاغل بمحادثة المتصرف .. تحامل تيمور الضرغام على نفسه وابتلع
الهانة .. ثم اتخذ مجلسه إلى جانب المتصرف .
شيخ التفاح تغير لونه منذ دخل شيخ المشايخ القاعة .. بينهما ما صنع الحداد .. وأنه
ليغص به كل ما رآه .. ولول ما تفرضه الصول لرفض الجتماع به تحت سقف واحد ..
شيخ التفاح ل يستطيع أن ينسى أن هذا الرجل طوق حارته بالعار .. كان شيخ التفاح مسافرا"
للحج والعمرة .. ترك مشيخة الحارة لخيه الحاج رجب .. استغل سالم ابن رجب الفرصة ..
كان شابا" فاسد الطوية .. منصرفا" إلى اللهو مع أقران السوء .. زوجه والده ولكن ذلك لم
يغير شيئا" من سيرته .. جاءت الواقعة عندما اضطر سالم أباه لكي يخطب له خضرة بنت
العامري صاحب ساقية الرماد .. أكبر سواقي الحارة .. لم يكن للرجل من ولد أو بنت سواها
فعز عليه أن يعطيها لسالم .. واعتذر لبيه .. سالم ذهب إلى شيخ المشايخ هذا الوغد تيمور
الضرغام .. وادعى زورا أن العامري وجد جرة مملوءة بالذهب في أرض الساقية .. وأنه
أخفاها عن العيون .
نزل شيخ المشايخ والعسكر في بيت الرجل .. ربطوه إلى الجميزة .. طلبوا أن
يدلهم على مكان الذهب.. وتناوبوا على ضربه حتى مات .
اغتصب العسكر خضره في ذلك اليوم .. أي عار هذا الذي أحنى الظهور كلها .. وعصب
الجباه بالمذلة :
لم ينقذ شيخ التفاح من هواجسه المرة إل صوت المتصرف وهو يخاطبه :
- ماذا تقول يا شيخ التفاح ؟
- أقول ل إله إل ال محمدا" رسول ال .
- ماذا تقول في يونس ؟
- أن أملكه تحد أملك الحارة كما تعلم .. وأنه لنعم الجار .. فوال ما نأخذ عليه شيئا" يشينه
أو يضيرنا .
قال شيخ الشجاعية وقد استفزه تنويه شيخ التفاح بجيرته ليونس :
- هل سيعصر زيتونه في معاصركم أم أنه سيعصر في معاصر حارتنا .. وفي موسم جد
الزيتون هل سيستعين بنا أم أنكم لن تدعوا لنا من الحب جانبا" يا شيخ التفاح .. أي نعم أنتم
الجار الجنب ولكن النبي وصى على سابع جار .
قال شيخ التفاح :
- أنا لم أر الرجل بعد ولم أعرف ما هي نواياه بشأن الموسم القادم يا شيخ الشجاعية .
تدخل شيخ حارة الدرج ليفض النزاع بينهما .
- لماذا تنابذتما كالديوك .. المتصرف ل يهمه أمر الموسم في شئ .. لقد جمعنا هنا ليعرف
رأينا في الرجل .. هل هو رجل طيب مأمون الجانب .. أم أنه قاطع طريق ويشكل خطرا" عل
أمن المدينة واستقرارها .. هذا كل ما هنالك .
قاطعه المتصرف :
- ما دمت فهمت الطابق يا شيخ الدرج .. هات الجواب الشافي على سؤالي ودعك منهما.
- لعلنا أكثر الناس احتكاكا" به .. قوافل الفخار الذي تصنعه حارتنا تعبر أراضيه إلى بلد
الشام وبشارة والشقيف وجبل لبنان .. لو أراد يونس لتعرض قوافلنا أو فرض عليها إتاوة منذ
حل بالوادي .. ولكنه بدل من ذلك يوصي رجاله بحماية قوافلنا .. وكثيرا" ما يدعو رجال
القافلة إلى طعامه وشرابه . 
احتد شيخ المشايخ :
- بل كلم فارغ .. هذا رجل يسب الدولة .. ويشتم الوالي .. ويحرض الناس علينا .. لقد
طلب من الفلحين الذين نزعنا ملكية أرضهم في وادي الزيت البقاء ووعدهم بنصف
المحصول .
تهامس الجميع :
- نصف المحصول .. ما سمعنا بشيء كهذا من قبل .. ويدفع هو من حصته ما على الرض
من ويركو .. ماذا سيتبقى له إذن .
- ألم أقل لكم .. لقد جاء هذا الرجل كما يجيء القضاء المنزل .. ها هو يتألف الناس
ويجمعهم حوله .. ومن يدري قد ينزع غزة كلها من أيدينا .
أرى أن تجرد عليه حملة يا باشا وتطرده من الوادي كله وتكتب للدولة أن هذا الرجل قاطع
طريق .. خرسيس .. أدب سيس .
ابتسم الباشا .. خلع طربوشة .. مسحه بكمه .. ثم أعاده إلى رأسه بتؤده وفكر قليل" .. كأنه
يدير المر على وجوهه المختلفة .
- تجريده .. حمله .. من أين لنا المال لندفع للعسكر والعيوانية .. هل ستصرف على الحملة
يا شيخ المشايخ .. ربما كلفك ذلك أضعاف المبلغ الذي دفعه يونس لشراء وادي الزيت .
قال شيخ التفاح بحده :
- كيف يكون قاطع طريق من يؤمن الناس على أرضه .. ويدعوهم إلى طعامه وشرابه ..
وال لو أرسلتم وشاية ضده لكنت أول من يتصدى لها ويكذبها .. ولو اضطرني المر للسفر
إلى عكا .. أو حتى اسطمبول .
توتر جو الجلسة فـأراد الوالي أن يخفف عليهم .. التفت إلى شيخ المشاهرة .. فرآه يغالب
النوم .
- شيخ مشاهرة إيش في ما في ؟ نريد رأيك في يونس .
تلفت شيخ المشاهرة كأنه يريد أن يستنجد بالجالسين .. لم ينجده أحد بكلمة .. تنحنح وسعل :
- اللي قالها المثل .. يا مليكة ال ل تآذونا ول نآذيكم .
ضحك الجميع .. دخل القاضي معروف ملهوفا" فلم ينتبه للمشايخ الجالسين .. فرد أمام الباشا
ثوبا" من الحرير موشى بالزهار وهمس :
- وصلت قافلة باشا التجار من دمشق وجاءني الرجل في فتوى .
- يا لك من داهية قاضي أفندي .. أعطيته الفتوى وسلبت منه هذا الثوب .. أمان يا ربي أمان
- لقد أحضرته هدية للخانم سعادتلو . 
- هديتك مقبولة يا قاضي أفندي .. اجلس .. كنا نتحدث في موضوع يونس الذي اشترى
وادي الزيت .
- ذلك البدوي الذي يدعي أنه من قريش .
- نعم .
انفتحت شهية القاضي عند ذكر البدو .. تذكر طعامهم الدسم فقال على الفور :
- نزوره في مضاربه لنرى إن كان البدو ما زالوا على عاداتهم في إكرام الضيف .
تذكر الباشا كيس الذهب الذي أفرغه يونس على طاولته يوم اشترى الوادي فسال
لعابه :
- فكرة جيدة .. ما رأيكم لو ركبنا جميعا" فجر الخميس القادم .. لزيارة يونس والطلع على
أحواله عن كثب .
برطم تيمور الضرغام :
- أنا لن أذهب .. ل أريد أن أرى وجهه .
قال الباشا :
- لعلك ل تريد أن ترى الوادي بعد أن أصبح ملكا" له .. ال بيم بل ورسم شيخ
مشايخ.
-