📁 آخر الأخبار

رواية العنقاء كاملة : الجزء 19: رواية تاريخية تحدثت عن إنتصار المقاومة في غزة ما بين فترة الحكم العثماني و الاحتلال الفرنسي.

رواية العنقاء كاملة : الجزء 19:  رواية تاريخية تحدثت عن إنتصار المقاومة في غزة ما بين فترة الحكم العثماني و الاحتلال الفرنسي. للكاتب عبد الكريم السبعاوي في 1942  المولود في حارة التفاح بمدينة غزة لأسرة فقيرة لكنها حفية بالعلم والثقافة
----------------

***
أي فجر هذا الذي طلع على آمر السجن ؟ دهمته خيل يونس حتى أنهم ساقوه قبل أن
يحتاز ثيابه .. وقف عاريا" أمام يونس يستر عريه بكلتا يديه .. ناوله أحد العبيد خرقة
 : لف بها وسطه .. قال شيخ التفاح
 . خذنا إلى الشيخ الذي عندك والويل لك أن كنت مست شعره من رأسه -
 : أجهش آمر السجن
هذا رجل مبارك .. إنني أتقرب بطاعته إلى ال .. كيف دار بخلدكم شئ كهذا .. -
دونكم الشيخ فاسألوه .. وحياة ديني أنا ماشي معاه سربست .. أطل رجل مقيد بالغلل
 . في يديه وقدميه وقد تهدل شعره البيض مختلطا" بلحيته
 . أطلقوني أول" ثم افعلوا بهؤلء الحراس ما يحلو لكم -
 : حين تجاوزوه ضرب كفا" بكف
 . إللي ما بعرف الصقر بشويه -
لم يلتفتوا إليه .. ساروا خلف آمر السجن حتى وصلوا غرفة معزولة في آخر
 . الرواق
كان العارف بال تاج الدين الخروبي .. يؤم ثلثة من السجناء في صلة
الفجر .. جاء صوت تاج الدين متهدجا" حنونا" كأنه نسمات الصباح المنعشة في ليلة
 :صيف قائظ
أولى لك فأولى .. ثم أولى لك فأولى .. أيحسب النسان أن يترك سدى .. الم يك ) -
نطفة من منى يمنى .. ثم كان علقة فخلق فسوى .. فجعل منه الزوجين الذكر
 . ( والنثى .. أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى
 . أحسا بفيض من المل يغمرهما .. وحين سلم الشيخ هرعا لتقبيل يديه
 : سحبها وهو يردد
أستغفر ال .. أستغفر ال .. من أنتم ؟ -
أنا يونس من عرب السبعة .. صاحب وادي الزيت على مشارف غزة .. وهذا عمي -
الشيخ رمضان شيخ حارة التفاح وولده مبارك .. وهذا أخي جوهر .. إن رجالي على
خيلهم يحاصرون المكان .. فإن شئت أن تصحبنا أنت ومن تختاره فهذا شرف عظيم لنا
 . .. وسوف نمنعك بسيوفنا أن يصيبك مكروه حتى نموت عن آخرنا
 : ضحك تاج الدين وقال ليونس
أنت إذا من نجد .. من ديار الشيخ الجليل محمد بن عبد الوهاب .. مصلح الملة -
ومجدد العقيدة .. رحمه ال رحمة واسعة وجزاه عن السلم خيرا" .. لعلك أدركته يا
 . بني
 . بل تلقيت العلم على أحد تلميذه -
ران السكوت برهة إل من صوت حبات المسبحة وهي تتراكض بين أصابع تاج
 : الدين .. تابع يونس
 . سنوفر لك مكانا" ترتاح فيه .. وتأمن شر الجزار وبطانته -
 : قال تاج الدين
 . ل راحة لمؤمن حتى يلقي وجه ربه -
 . إنك أعلم أهل زمانك .. ول نريد أن نخسرك -
ما نفع العلم إذا لم يلهمنا سلوك الرشاد .. أو لم يقل الحق .. ( يا أيها النسان إنك -
كادح إلى ربك كدحا" فملقيه ) .. أم أنكم تستكثرون علي أن ألقي ربي راضيا" مرضيا"؟
لقد سجنت وعذبت .. ولكننا بتنا نخشى عليك ما هو أسوأ من ذلك .. قد يعمد الجزار إلى
 . قتلك
 . وال أن التي تخوفونني منها للتي عشت في طلبها .. الشهادة في سبيل ال -
 : أراد أن يهون المر عليهم فتابع
ل ضير علي هنا .. إن كتبي عندي . وأنا منصرف إلى القراءة والكتابة بما يسعفني به -
النظر الكليل .. وحينما أفرغ من العمل .. أنصرف إلى هؤلء الشقياء ( واشار إلى
 . المساجين ) .. عسى ال أن يصلح بي قلب عبد من عباده فأنقذه من الهلك
واحد أو اثنان تنصرف لهما .. وتترك المة في هذا الكرب ؟ إن أحياء الناس واحدا" واحدا" -
قمين أن يستهلك أعمارنا وأضعف أضعافها .. لماذا ل تخرج معنا لحياء الناس دفعة واحدة ؟
ألست من أفتى في عكا بنقض الطاعة .. والخروج على سلطان الحكام الظلمة .. مستشهدا"
بالحديث الشريف ( من قبل الظلم شارك ظالمه في الثم ) ؟ أم أنك في عكا غيرك فـي
غـزة .. لعل معروف بالغ في نقل خبرك إينا ؟؟
 . لقد أخذتك حدة أهل نجد .. لكن ل بأس ما دامت حدة في الحق -
لعلني استعجلت الصدام مع الطغاة قبل أن تنضج دعوتي في صدور الناس .. وها
أنت ترى النتيجة .. لقد جنيت ثمارا" فجة .. المة يا بني غارقة في الجهل .. والجاهل عدو
نفسه .. إن علينا أن نلقي البذور في الرض .. وأن نتعهدها بالرعاية حتى تنمو وتعطي
 .أكلها
تنبت كل حبة سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة .. وإذا عم الوعي واستيقظت هذه المة بعد
 .. جيل أو جيلين أو ثلثة .. نكون قد بلغنا الرسالة وأدينا المانة
جيلن أو ثلثة .. ثم يؤجلها كل جيل إلى الجيل الذي يليه .. أية أمة هذه التي تمهل وتهمل؟ -
لمن خلقت هذه السيوف إن لم تكن لرقاب الظلمة ؟ أو لم يقل رسول ال ( من رأى منكم
 . منكرا" فليغيره بيده ) .. ولن أعدو إلى بقية الحديث ما دامت يدي قادرة على حمل سيفي
يا بني .. الظلم قديم ومتواصل وراسخ .. وقد صار له عبر مئات السنين دولة وملكا -
عضودا .. وأنت تريد أن تغير كل ذلك بضربة سيف ؟ معركتنا مع الظلم يا بني تبدأ هنا في
صدورنا .. وال إننا لنتظالم فيما بيننا .. في البيت والسوق والبيدر.. بأضعاف ما يظلمنا
هؤلء الحكام .. أكنت تعتقد يا بني أننا الن نستحق ولة غير هؤلء .. وفي الحديث الشريف
( مثلما تكونوا يولى عليكم ) .. ان شق عصا الطاعة على وال .. أو قتله .. أو قتل عدد من
الولة .. أو قتلهم جميعا" .. لن يغير من المر شيئا" .. سوف يجيئ من هو ألعن منهم .. إن
علينا أن نتغير نحن أول" .. ولن يتم لنا ذلك فجأة .. ولن يتم بسيفك أو سيوف ألف من الرجال
 . الصناديد
وال إنني ل أدري ما الذي يخيفك من عدوك .. أهو هؤلء العيوانية والسبهلية .. أم جنود -
القبيقول الذين قتلتهم شهوات الخمر والنساء ؟
يا ولدي : إن أهون دعائم الظلم ما ترى من خيله ورجله .. أما أشد دعائمه وأكثرها رسوخا" -
 . فهو ما ران على قلوبنا من الخور والضعف .. وما استمرأناه من المرتع الوخيم
ولكن ال يزع بالسلطان ما ل يزع بالقرآن .. ولو ولينا أمورنا خيارنا .. لحملوا الناس على -
 . الحق طوعا" أو كرها"
حتى لو ولينا خيارنا .. وكشـفنا هؤلء الطغاة عن ديارنا وكافة ديار السلم .. فان التغيير -
يتطلب وقتا" طويل" وطويل" جدا" .. ربما اقل من الوقت الذي نحتاجه .. لو بقي هؤلء الحكام
الظلمة في أماكنهم .. ولكن الثمن الذي سندفعه سيكون فادحا" .. ول يتناسب مع الوقت الذي
 . وفرناه
لقد غير عمر بن عبد العزيز كل الولة الظلمة الذين عينهم طغاة بني أمية قبله .. وبدأ
 . بإصلح نفسه وإصلح بطانته .. ولكن إصلح المة لم يتم له حتى وافاه الجل
 : قال مره لولده عبد الملك حينما سأله
أجاب عمر مالك ل تنفذ المور؟ .. فوال ما ابالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق.. -
:
ل تعجل يا بني .. فإن ال ذم الخمر في القرآن مرتين .. وحرمها في الثالثة .. وإني أخاف -
 . أن أحمل الناس على الحق جملة .. فيدعوه جملة .. وتكون من ذلك فتنة
إذا فأنت مصر على البقاء حيث وضعك الجزار ؟ -
إن وجودي هنا يا ولدي شهادة على فساد الزمان وأهله .. عسى أن تلهم هذه الشهادة الناس -
 . فيغيروا ما بأنفسهم حتى يغير ال ما بهم
أهذا آخر ما تراه ؟ -
 . ارى أن تنصرفوا عني راشدين قبل أن تزهق بسببي روح .. أو تراق قطرة دم -
 : قال شيخ التفاح
إذا كنت ترفض الخروج معنا .. فل أقل من أن تقبل بولدي هذا .. ليقوم على خدمتك .. -
 . عسى أن يتعلم منك ويعلمنا
 : نظر الشيخ إلى مبارك وسأله
هل تعرف القراءة والكتابة يا بني ؟ -
 . وأحفظ القرآن غيبا" -
ما شاء ال .. أو تحب البقاء مع شيخ طاعن مثلي ؟ -
 . سأكون خادمك وتلميذك يا سيدي .. ول ارى شرفا" يعدل ذلك -
 . بارك ال فيك .. كم أنا محتاج لمن يقرأ لي ويكتب عني .. فللسن أحكامها -
 : قال يونس
ليكن مبارك رسول" بيننا .. وبال عليك أل تتردد في طلبنا إن رأيت أننا نستطيع أن نقدم لك -
 . شيئا"
ضعف الطالب والمطلوب .. هل لرجل مثلي أن يسأل أحدا وال عليم بالحال .. غني عن -
 . السؤال
 . إذن في جيرة ال -
ودعه يونس وسار مهموما" .. يتبعه شيخ الحارة وجوهر .. مرا بالسجين المكبل
 : بالغلل فابتدرهم منشدا"
كاس الهــوى للمذلـة أتعاتبـــوا ول -
أنا ما يوم باب السجن عن جانبـي ولـي
أنا ان ما أجاني فرج من عنــد خالقي ول
لصيح مظلـوم و مالي في المضيقـة أحد
كليت وأنا أعد اسبوت وأجمل في ليالي أحد
لما العـــزم راح وزمــان الصبـا ولى
 : توقف يونس وقد هزه الشعر وملك عليه قلبه .. التفت إلى آمر السجن وسأل
من هذا ؟ -
 . هذا عاصي ال والسلطان .. صقر حرحش .. قائد الفتنة في نابلس -
 : صرخ الرجل
جرعت سيدك العلقم يا ابن الزانية ..فضن علي بالموت .. وأقسم أن أقضي بقية عمري في
حديد السجن .. ثلثة عشر عاما" ل أسمع غير رنين القيود .. ول اشم سوى روائح العفن ..
أين أنت يا سهول طبريا .. وشطوط عكا .. وقمم عيبال .. اين أنت يا صهوات الجياد ؟
أهكذا ينتهي الحال بالمقدم صقر ؟
 : ثم نظر إلى يونس وتضرع
 . أنا في عرضك يا شيخ العرب -
 : أشار يونس لمر السجن
 . فك قيوده -
هرع الرجل إلى السجين .. فك قيوده وحاول أن ينتزعها دون فائدة .. كان اللحم قد
 .. بني على حديد القيد
 : أشار يونس لعبيده
 . احملوه بقيوده -
 . حملوه ومضوا
 . ناول يونس آمر السجن صرتين
 . هذه لك .. وهذه لكي تنفق منها على الشيخ .. وتنفذ له كل ما يطلبه -
احفظ عليك مالك يا سيدي .. إن ما رايناه من كرامات الشيخ وهو بيننا .. ليجعلنا رهن -
 . إشارته .. وال أن بركته لتغمرنا بالخيرات
 : في طريق العودة قال يونس لمن معه
لقد استطاع تاج الدين أن يشفي تركيا" من داء الرشوة .. هذه أول كراماته .. وما تلبث باقي -
 . الكرامات أن تظهر
 : نظر إليه المقدم صقر حرحش مشفقا" من على ظهر جواده -
ل تسخر من الرجل يا سيدي .. لقد حاول آمر السجن صفع تاج الدين يوم وصوله فتجمدت -
ذراعه ..وسرى الجمد في جسده .. قال خذوني إلى الشيخ قبل أن ينحبس صوتي .. أخذوه
 . فاستسمح خاطره .. وشفي من ساعته
من يومها وجميع من في السجن يقيمون للشيخ ألف حساب .. ولو طلب أن يطلقوا سراحه
 .لفعلوا
قال جوهر :
- ألم تسمع عن شيخك فلح الرواشدة بالحديث الشريف ( رب اشعت أغـبر ذي طمريـن ل
يؤبه له لو أقسم على ال لبره ) .. وبالحديث الذي يقول : ( إن ل عبادا" إذا أرادوا أراد ) .
- بلى سمعت يا جوهر .. ولكن كراهيتي لما ارتكبه أدعياء الدين .. ومــا اصــطنعوه مــن
الكرامات ليضلوا بها العباد .. جعلتني أضرب الصفح عن ذلك .
???
ضرب الخواجا موسى عدس ضربته .. اتفق مع التجار الخرين على أن يكون له وحده حق
شراء الشعير في غزة وقراها .. على أن يترك لهم الحبوب الخرى في غزة وباقي الولية .
كانت لديه معلومات من العدوة الخرى للبحر .. أن أوروبا ستقبل هذا العــام علــى
شراء الشعير بكميات هائلة .. فمصانع الجعة في بريطانيا وألمانيا وفرنسا تتزايد .. وأصحابها
يستهلكون شعير بر الشام كله .. ويصرخون هل من مزيد .
ورغم أن غزة وقراها تنتج سبعين بالمائة من شعير بلد الشام .. إل أنه في السنة الماضــية
اضطر إلى شراء الشعير من سهول حوران وبعلبك وبلد بشــارة والشــقيف .. فلــم يكــن
باستطاعته الحصول على كل شـعير غزة .. بسبب المنافسة الشديدة بين تجار الحبوب .
هذه السنة سوف يأتيه الشعير إلى باب بيته .. دون عناء أو مشقة .. وســوف يحــدد
سعر الشعير هنا .. وفي العدوة الخرى من البحر أيضا" .. لماذا إذا ل يتثاقل على الفلحيــن
حين يأتونه لقتراض المال .. أو البذار للموسم القادم .. فيأخذ منهم الربا أضعافا" مضاعفة ..
أو يشترط عليهم أن يردوا له الصاع ثلثة بدل صاعين ؟
ما أن هل موسم الحصاد حتى أخرج الخواجا موسى دفاتره وبدأ يجري حســاباته ..
اطمأن الخواجه إلى أن ثلث شعير غزة سيكون رهن يده.. وأن عليه أن يشتري الباقي بحــر
ماله من صغار المرابين أو من الفلحين مباشرة .. وبحسبة أخرى أدرك الخواجة موسـى أن
الفلحين سيعودون للقتراض منه بعد اربعة أشهر على الكثر من انتهاء الموســم .. لكــي
يسدوا رمقهم باقي السنة .. وبذلك يضمن محصول العام القادم .. أما اذا لم يكن الموسم خصبا"
هذه السنة فإن على الفلحين أن يركعوا أمامه لكي يصبر عليهم إلى العام القادم .. وأن يعدوه
بمضاعفة ديونه عليهم عند تسديدها .
ورغم أن عملءه من الفلحين طيبون أمناء .. وقد عاملهم سنين طويلة فما أكلوا عليه
قمحا" ول شعيرا" .. إل أنه وجريا على عادته في الحتياط للمور قبل وقوعها .. قرر أن يبدأ
الموسم بإهداء هدية لدرويش باشا .. فمن يدري ؟
ربما اضطر للستعانة به لنفاذ أحد العقود أو لوضع اليد على محصول أحــدهم إذا ارتــاب
الخواجه في نواياه .
دعى الخواجه موسى .. العزيزة سارة إلى العشاء في بيته .. ليستشيرها في موضوع
الهدية .. اشارت عليه سارة أن يشتري للباشا ( الفارعة ) .. وهي واحدة من أصائل الخيــل
في عرب الهزيل .. كان لها صيت جاوز غزة وقراها إلى البلد الخـرى .. وقـد سـمعت
درويش باشا يذكرها ويسعى لمتلكها .
وكان بها .. ركب درويش باشا ظهر الفارعة .. وركب الخواجــا موســى ظهــور
حصادي الشعير من رفح إلى نهر جريشه .

 رواية العنقاء كاملة :الجزء 20:

 رواية العنقاء كاملة :الجزء 18: