رواية العنقاء كاملة : الجزء 16: رواية تاريخية تحدثت عن إنتصار المقاومة في غزة ما بين فترة الحكم العثماني و الاحتلال الفرنسي. للكاتب عبد الكريم السبعاوي في 1942 المولود في حارة التفاح بمدينة غزة لأسرة فقيرة لكنها حفية بالعلم والثقافة
----------------
رواية العنقاء كاملة :الجزء 17:
رواية العنقاء كاملة :الجزء 15:
----------------
***
- 10 -
وصل الجزار إلى مدينة رسول ال .. اغدق على الناس ولم يرد أحدا" وقف
أمامه .. غنيا" أو فقيرا" .. إل بملء جيوبه ..بينما اشاع رجاله في الحج أنه المهدي
المنتظر الذي يظهر بمكه .. ومن جملة من أعطاهم شيخ الحرم وصاحب الروضة
: المشرفة .. كبير عبيد الدار أعطاه مائة ألف محبوب وقال له
. إذا كان يوم عرفه فاخطب الناس في الحرم داعيا" إلى مبايعتي .. فأنا المهدي -
: قال له شيخ الحرم
لقد زعم كثير من الملوك الماضين أنه المهدي ولم تصح دعوى أحد منهم .. وفي -
. ( الحديث الشريف ( ل مهدي إل عيسى ابن مريم
استشاط الجزار غضبا" وقال له : إن لم تفعل ما أمرتك به فسيكون لي ولك شأن
.
مضى إلى مكة المكرمة .. فعل بها ما فعله بالمدينة من الغداق على الناس
غنيهم وفقيرهم حتى قالوا ( هذا عطاء من ل يخشى الفقر ) وأن جوده ليس من جود
أهل زمانه .. حفل الناس بالذهب والفضة ولم يحفلوا بدعواه .. أما الذين بايعوه فهم من
الدهماء الذين ل خطر لهم .. العلماء وعلية القوم تحاشوه خوفا" على دينهم وأعناقهم ..
: رجع مغضبا" إلى المدينة .. استدعى شيخ الحرم .. قال له
!لما لم تنفذ ما طلبته منك ؟ -
: أجاب شيخ الحرم
ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق .. هذه المائة ألف محبوب التي أعطيتها لي كما -
. هي
وضع الصرة أمام الجزار
ماذا قلت للشيخ الزياني المغربي حين سألك إن كان الجزار هو المهدي المنتظر ؟ -
هذا رجل من أمة محمد سألني النصيحة .. وما كنت لكتم مسلما" النصيحة .. وقد قال -
. ( الرسول صلوات ال عليه ( الدين النصيحة .. ومن غشنا فليس منا
إذا فأنت ل تكتفي بعدم مبايعتي .. ولكنك تنفر الناس عني وتسفه دعواي ؟ -
. أنا أقول الحق ول أخشى فيه لومة لئم -
: فقد الجزار رشده ونادى على حراسه البشناق
اضربوا عنق هذا الرجل على باب الحرم ليكون عبرة لغيره .. ثم التفت إلى قاضي -
: غزة
. سوف أتبعه برجل قبلت فيه شفاعتك يا قاضي النحس -
. نشدتك ال أل تفعل .. نشدتك ال أل تفعل -
. سبق السيف العزل
في تلك الليلة لم يستطع القاضي معروف النوم .. تذكر نصيحة تاج الدين ( من
أعان ظالما" سلطه ال عليه ) أيقن أن من يقتل امام الحرم قد يقتله في أية لحظة دون
أدنى شفقة أو رحمة .. والجزار بدأ يقلب له ظهر المجن .. ربما كانت المسألة مسألة
وقت فقط .. صارت الوساوس تنخر صدر القاضي معروف .. لم يغمض له جفن ..
. رغم أنه وضع تحت وسادته حجاب حصن الحصين من كتاب رب العالمين
قبل أن ينبلج الفجر سمع طرقا" على الباب .. حسب أن منيته قد حانت .. أراد
: النهوض .. خانته ركبتاه .. زحف إلى الباب وفتحه .. دخل حرس الوالي
. سيدنا يريدك الساعة -
أعانه الحراس على النهوض .. قادوه إلى حيث يجلس الوالي .. لما انصرفوا ..
: قال له الجزار
يا معروف عاودتني الليلة تلك الرؤيا المشئومة .. رأيتني أقطع لحما" من جسدي -
وأطرحه للكلب حتى تعافه .. جلست محاول" أن أطرد النوم عن عيني .. ولكنني
. أغفيت ثانية .. فرأيتني أقطع لحما" من جسدي وأشويه في النار حتى يتفحم
ما الذي تراه أيها القاضي ؟ -
تمالك معروف روعه .. إذا فالوالي لم يستدعه للقتل ولكن للمشورة .. دبت فيه
شجاعة لم يعهدها في نفسه وهو يرى الطاغية يتمزق من الداخل وينهار أمامه بكل
. جبروته وقسوته
لماذا تسرعت بقتل شيخ الحرم ؟ وال وددت أنك لم تفعل.. أفي الشهر الحرام ؟ وفي -
البلد الحرام ؟ تريق دما" حراما" .. ثم تسألني ماذا ترى ؟ أرى أن تعفيني من القضاء
ومن صحبتك .. وأن تدعني أجاور رسول ال صلعم ما بقي من عمري .. لعلني أكفر
. عن ما سلف مني
. بكى معروف حتى رق له الوالي .. أمره بالنصراف من حضرته
: أشار الجزار لبني جلدته البوشناق
. ل أريد أن أنام .. عليكم بإيقاظي كلما غفوت -
. ظل على هذه الحالة ل يذوق النوم إل لماما" حتى وصل عكا
***